إن الشمس قد بلغت ساعة المساء ومن أجلك تتوقف إلى أن تبلغ المنزل! فإلى متى تحتمل العدو وتكمل مشيئته فإنه يتمنى ويحرص أن يأتي بك إلى النار.
إنه دائمًا يحارب الناس جميعًا بالشهوات الردية النجسة… ويمنح الذين يذعنون له اليأس، وقساوة القلب وجفاف الدموع لئلا يتخشع ذلك الخاطئ تخشعًا تامًا. فاهرب منه أيها الإنسان، وأرفض مشوراته اهرب من ذلك الغاش إنه قاتل الإنسان منذ البدء وإلى المنتهى.
اسمع أيها الحبيب الصوت القائل كل وقت “تعالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم احملوا نيري عليكم وتعلموا مني أني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم” إنه يعطي الراحة والحياة فلمَ تتوانى أيها الإنسان؟ ولمَ تجوز يومًا فيومًا. تقدم ولا تجزع فإن السيد صالح ومتحنن. يشفي الجراحات ويهب الحياة دون حسد لأنه إله صالح يقبل بسهولة كافة الذين يخرون له ساجدين إذ هو الإله الأعظم الذي بسابق علمه بعرف سائر أفكارنا. وإذا تقدم إليه الإنسان يبرأ لأنه يعاين قلبه وكافة أعماله.
إنه إله صالح قبل أن تهطل الدموع يسكب كنوزه وقبل أن تتضرع إليه يصالحك، وقبل أن تبتهل إليه تنال الرحمة. لأن محبة الله هكذا تشتاق إلى كل من يقبل إليه. إذ لا يبطئ عن الاستماع ولا يطالبك بالزمان الذي قد مضى إنما يطلب أن يخضع له في تواضع بدموع إذ يغفر تمامًا كافة الإثم والخطية بل وكل الهفوات، ويأمر في الحال بإحضار الحلة الأولى ويجعل خاتمًا في يده اليمنى ويأمر الملائكة أن تسر معه برجوع هذا الخاطيء.
فإذ لا نزال في ذلك العالم نستطيع في كل وقت أن نستعطف السيد وسهل علينا أن نبتغي الغفران ولنا أن نقرع باب تحننه فنسكب العبرات ما دام لنا وقت تقبل فيه الدموع قبل أن ننصرف إلى ذلك الدهر الآتي حيث لا يقبل البكاء إذ لا تحسب الدموع هناك بقدر ما تكون الآن بمشيئتنا.
من يؤمن بابن الله تكون له حياة دائمة… إذ قال “من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي.
الحطب الكثير ينمي اللهيب ومخافة الله تكثر المعرفة في قلب الإنسان والعمل يحقق العلم، استيقظ إذا كنت تزرع بذار سيدك لئلا يختلط به الزوان… ولنطلب من الرب أن يعطينا معرفة وفهمًا لنتيقظ في كل شيء.
الكور يختبر الفضة والذهب وينقيهما، وتقوى الرب تهذب الأفكار وتنقيها، مثل الصائغ الجالس في السنديان فهو يعمل أواني حسنة ونافعة كذلك مخافة الرب تجرد كل فكر خبيث من القلب وتنظفه وتبرز ألفاظًا بمعرفة. فلنعط مجدًا لمن منحنا مخافته في قلوبنا. بدء الحكمة مخافة الرب، والفهم الصالح لكل من يعمل. الحكيم يحفظ وصايا المسيح، ومن يسلك فيها لا يخزى إلى الأبد ومن يهملها فذلك جاهل ورجاؤه باطل. من يحفظها جيدًا فقد انتقل من الموت إلى الحياة وما يعاين ظلامًا للأبد وفي يوم وفاته يجد دالة ونعمة وملائكة ترشده… وأساسه على الصخرة التي لا تتزعزع ويصير وارثًا للحياة الخالدة مثل هذا مغبوط لأنه عرف أن يصنع مشيئة خالقه.
إذا ضرب البوق يستعد الجيش للحرب لكن في أوان الجهاد ليس الكل محاربين. لا تقل عن ذاتك أنك…، وبلا عيب قدام الله فالأشياء التي نسيتها هي ظاهرة قدام الله وليس المكان يجعل الإنسان تامًا بل الإفراز.
مخافة الرب ينبوع حياة، مخافة الرب تنقي العقل، مخافة الرب صيانة للنفس، مخافة الرب تعطي المتقي الرب نعمة في كل تصرفاته، مخافة الرب مديرة للنفس، خشية الرب تضيء النفس وتبعد كل ما هو خبيث، مخافة الرب تبعد الآلام وتنمي المحبة، مخافة الرب تقطع كل شهوة ردية.
خشية الرب مؤدبة للنفس إذ تبشرها بآمال صالحة، مخافة الرب طريق السلام، خشية الرب تملأ النفس من الروح القدس.
ليس في الناس أعظم قدرًا من المتقي الرب إنه مثل نور يرشد الكثيرين إلى الخلاص، يشابه مدينة حصينة فوق جبل، مغبوطة تلك النفس التي تخشى الرب لأنها تتقدم فتبصر أمامها القاضي العادل كل حين.
إن أخطأ أحد إلى الله وتراخى… فليبك باشتياق ولينتحب بلا تغويت مادام يوجد له زمانًا على الأرض. ..فيجلب بالدموع سرورًا إلى قلبه وليحم جسمه بالدموع والزفرات.
أتراكم يا إخوتي لكم خبرة الدموع؟ هل أضاء أحدكم بنعمة الدموع التي من أجل الله. تيقنوا يا إخوتي أنه ليس على الأرض أكثر حلاوة من الفرح والتخشع في تلك الساعة إذا صلى الإنسان وجلس الإله في قلبه دائمًا. واختبر هذا حين صلى بارتياح وشوق فارتفع من الأرض وصار بجملته خارج الجسد بل خارج هذا الدهر كله إذ يناجي الإلهي نفسه، ويستضيء بالمسيح، ويتقدس دائمًا بالروح القدس عجبًا يا إخوتي أن يخاطب إنسان ترابي دائمًا في صلاته الإله الذي لا يُرى! التخشع يا إخوتي يفيد في اغتفار الخطايا، ويستجذب الروح القدس، بالتخشع يا إخوتي يسكن فينا الابن الوحيد إذا أقبلنا إليه وإني خائف يا إخوتي أن أصف لكم اقتدار الدموع.
حنة النبية بالدموع أخذت من الله صموئيل النبي وكان فخرًا لقلبها، المرأة الخاطئة في مترل سمعان أخذت غفران خطاياها حين بكت وبلت قدميه المقدستين بدموعها. عظيمة هي قوة الدموع يا إخوتي التي من أجل الله فهي تقتدر كثيرًا. تجلو دائمًا النفس من الخطايا وتنظفها من الآثام، العبرات التي من أجل الله تمنح دالة لدى الإله القدوس، والأفكار الخبيثة ما تقدر قط أن تقترب من النفس الحاوية الله والتي تصلي وتبتهل إليه إذا هدفت النفس إلى الله تبصره دائمًا في صلاتها وتلهج فيه الليل والنهار.
التخشع هو كنز لا يسلب والنفس الحاوية له تفرح فرحًا لا ينطق به، ليس تخشع يومًا إنما التخشع الدائم الذي داخل النفس ليلا ونهارًا.
التخشع في النفس يا إخوتي هو كعين صافية تسقي غروسها المثمرة أي الفضائل التي تسقي دائمًا بالدموع والزفرات فتثمر ثمرًا صافيًا نافعًا أبدًا لنفسك.
اسق أيها الأخ غروسك بلا انقطاع مبته ً لا بدموع حتى تنمو وتثمر يومًا فيومًا، ولا تصر متشبهًا بي أنا المسترخي الخاطيء الذي أقول كل يوم ولا أعمل البتة… ولا تصر متوانيًا ومسترخيًا باختيارك فلا يكون لك خشوع ولا صلاة نقية… فإنني في خوف دائم من الدينونة وليس لي عذر عن جريمتي. فأطلب إليكم يا إخوتي القديسين الخائفين الله والذين تفعلون ما يرضيه أن تصلوا عني أنا الحقير لتدركني النعمة بصلواتكم وتخلص نفسي في تلك الساعة المخوفة التي فيها يجيء المسيح فيكافىء كل واحد نظير أعماله له المجد إلى أبد الدهور آمين.
تفهم يا أخي أنه من أجلك أقبل من السماء الإله القدوس العلى ليعليك من الأرض إلى السماء، مغبوط في ذلك اليوم الذي حرص هنا كي يوجد مستحقًا لتلك السعادة، وإذ أنه لا يمكن أن تباع الأدوية السماوية والقدسية لأنه ليس لها ثمن ولكنها بالدموع توهب للكل. ترى من لا يعجب ومن لا ينذهل، من لا يبارك كثرة تحننك أيها المخلص لنفوسنا لأنك ارتضيت أن تأخذ الدموع عوض أشفيتك. فيا لقوتك أيتها الدموع؟ إنك تدخلين إلى السماء مجاهرة كثيرة بلا مانع وتأخذين طلباتك من الإله القدوس.
الضحك يحذف تطويب النوح خارجًا، ينقض بناء الفضائل، يحزن الروح القدس، ما ينفع النفس بل يفسد الجسم، ليس فيه ذكر الموت ولا تفكر العذاب. الضحك والدالة مثل ريح السموم تفسد ثمار الراهب، ويحدرانه إلى أسفل. فأعطني يارب النوح والبكاء إذ بدون النوح لن يعرف الإنسان ذاته وليكن لنا النوح الذي لأجلك وليس لأجل الناس، لنكن مبتهجين بالروح القدس ومواهب الرب نائمين بعقولنا ضارعين إلى الله دائمًا لكي لا نعدم ملك السموات والخيرات التي أعدها للذين يحبونه.
النوح يبني ويحفظ النفس ويجعلها نقية طاهرة، النوح يولد العفة، يقطع الشهوات يقوم الفضائل. النوح يطوب من الرب لذا قال أحد التلاميذ ليتحول ضحككم إلى نوح وفرحكم إلى غم، اتضعوا قدام الرب فيرفعكم.
ماذا أصنع أنا الخاطئ إذ لم أنح ولم أبك على نفسي بتخشع، أتكلم وما اعمل، ويلي كيف أتهاون ويلي كيف أتوان في خلاصي؟ ويلي لأنني بمعرفة أخطئ ويلي إنني بلا عذر، ويلي فإنني بأقوالي يحسبني البعض من ذوي اليمين، وبأفعالي قد وقعت في اليسار.
لكن لك وحدك أيها الصالح أعترف بخطيتي إذ تعرف كل الأشياء وأنا صامت فليس شيئًا مكتومًا تجاهك. يارب قد أخطأت إليك ولست أهلاً أن أتفرس وأبصر علو السماء من قبل كثرة ظلامي، إنني من أجل لذة يسيرة استهنت بالنار أنا أشقى كل الناس.
ليتني أبكي على ذاتي إذ يوجد لي وقت أيضًا تقبل فيه الدموع. فيا ربي هب لي دموع فأبكي ليلا ونهارًا. أتوسل إليك أن تطهر وسخ قلبي. ويلي ماذا أصنع عند الظلمة القصوى حيث البكاء وصرير الأسنان، ويلي ماذا أعمل نحو الزمهرير والعذاب الذي لا ينقضي، والدود النفاث بالسم الذي لا ينام، ويلي يا نفسي قد أخطأت فتوبي لأن أيامك تعبر كالظل فبعد قليل تنصرفين من ههنا. ويلي يا نفسي إذ بأفعالك الدنسة قد أحزنت الملائكة القديسين الذين يحفظونك. فلا تمنح نفسك راحة ولا أجفانك نعاسًا ليعطيك الإله المتعطف معونة. يا إخوتي بعد وقت قصير لابد أن نعبر إلى أماكن مخيفة وليس أحد من ههنا يرافقنا لا والدين ولا إخوة ولا أصدقاء.
فلا تتوانى في الأعمال الصالحة التي سنجدها في وقتها، ولنستيقظ في هذا الدهر قبل أن تقبض علينا قوات الظلمة بعد الفراق أولئك الذين لا يرهبون ملكًا ولا يكرمون أميرًا ولا يبجلون صغيرًا أو كبيرًا سوى الذي بالأعمال الصالحة يولون منه منهزمين.
إن نفوس الصديقين بيد الرب ولن تمسهم آلام، ومجد الله يجللهم. حينئذ يصرخون فيستجيب لهم الرب فلا نتوانى يا إخوتي الأحباء فإذا حانت ساعة الفراق تذبل تلك اللذات، ويهلك التنعم، ويبيد الغنى وحب الرئاسة جميعها تنحل وتزول.
مجاري المياه لوقت الحريق، ومجاري الدموع في زمن التجربة الماء يخمد لهيب النار والدموع تطفيء شهوة الشر.
مغبوط هو المتقي الرب، مغبوط هو الإنسان الذي في داخله مخافة الله إنه يطوب من قبل الروح القدس جهارًا.
حقًا إن المتقي الرب سيكون خارج كل حيل العدو. يغلب بسهولة كافة مكائده الرديئة إذ لا يستأسره بشيء لأنه من أجل التقوى لا يقبل لذة الشهوة، لا يتتره هنا وهنا لأنه ينتظر سيده لئلا يأتي بغتة فيجده متوانيًا فيشقه نصفين فالمتقي الرب مستيقظ دائمًا، ولا يعطي ذاته نومًا إلا بمقدار لأنه يسهر في مجيء الرب المخوف وما يضطجع لأنه في كل وقت يهتم بقنيته الروحية، يحرص لئلا يغيظ سيده، وكل حين يختبر الأعمال المرضية للرب حتى إذا جاز به يمدحه بأنواع كثيرة، الذين يقتنون تقوى الله تصير لهم سببًا لخيرات جزيلة من ليست عنده مخافة الله سيكون سريع الانصياع لمكائد العدو، ويصير محزنًا للذات. يتباهى باللذات ويسر بالراحات ويهرب من الشقاء يرفض التواضع ويصافح الكبرياء فيجيء الرب ويرسله إلى الظلمة الأبدية.
تبصرت كل شيء فلم أجد ما أفضل من خشية الله فطوبى لمن أحبها. فقد أحبها يوسف البار فعقد له التاج على مصر. وأحبها موسى العظيم ففلق البحر بعصاه. وتعشقها أطفال حنانيا فأنقذهم من النار.إنهى لأشهى من الذهب وأحلى من الشهد. لقد أوغلت في طلب المال فإذ به يبقى في الدني، وتعشقت الجمال فإذ به يفنى في الهاوية، وتلمست الإخوة والأحباء فلم يجدوني نفعًا فها إني أساق إلى الدينونة حيث لا يخلص الأخ أخاه. فيا ربي نجني من جهنم فإن مجرد ذكره يزعجني.