القديس العظيم يعقوب المقطع
كانت ولادة القدّيس يعقوب ونشأته، فيما يبدو، في بلاد فارس (إيران)، وكان من عائلة ثرية من فئة النبلاء، قيل أﻧﻬا امتازت بالكرم وإضافة الغرباء، وكانت على المسيحية.
يومذاك كانت المسيحية في بلاد فارس مرذولة ومضطهدة، وإذ كان على يعقوب أن يختار بين إيمانه بالرب يسوع المسيح والحظوى لدي الملك، اختار امتيازات هذا الدهر وأمجاده وبات شريك الملك في عبادة الأوثان.
وبلغ المسيحيين خبر سقوط يعقوب فكان له فيهم وقع الصاعقة لا سيما وأن يعقوب أحد أعمدﺗﻬم. ثم أن والدة يعقوب وزوجته بلغاه أﻧﻬما يقطعان به كل علاقة لأنه آثر عابراً على محبة المسيح ووعد الحياة الأبدية.
وأفاق يعقوب من سكره وبكى بكاء مراً. كل ّ همه بات أن يمحو خيانته لرب السماوات والأرض، وبالدم إذا لزم الأمر.
لذلك جاهر بإيمانه بالرب يسوع ونبذ الأوثان. لم يترك مناسبة إلا فعل كذلك إلى أن بلغ الملك نفسه، فاستدعاه وسأله عن حقيقة الأمر، فاعترف ولم ينكر. بدا الملك لبعض الوقت غير مصدّق، لكن يعقوب أصرّ. حاول يزدجرد اغراءه بالمناصب والمال والأمجاد فلم يبال. قال أنه مستعد أنه يهبه حتى نصف مملكته فلم يصغ. ذكره بالشباب وحلاوات الحياة فلم يتزحزح. هدّده فلم يكترث. إذ ذاك خرج الملك عن طوره وأسلمه، في غضب شديد، إلى التعذيب. وكانت العقوبة تقطيعه قطعة قطعة حتى يلفظ نفسه الأخير.
وشاء الملك أن يدعو المدينة كلها إلى هذا المشهد المريع. ثم أن الجلادين بدأوا بتنفيذ الحكم فقطعوا أصابع يديه ورجليه ثم ذراعيه وساقيه. وإذا كان يعقوب في آلام فظيعة صرخ إلى الرب يسوع: “أغثني يا رب!” فجاءت قوة من عند الله جعلته غريباً عن الألم، وكأن ما يجري كان على جسد شخص آخر. أخيراً قطع الجلاد رأسه فتوقف مجرى الأوجاع وأكمل يعقوب الشهادة أمانة وتكفيراً.
وقد جاء في التراث أنه عندما قطع الجلاد إبهامه قال: “هكذا تقّلم الكرمة لكي تنمو جديداً في أوانها”. وعندما قطع إصبعه التالي قال: “تقبّل، يا رب الغصن الثاني من زرعك”. ولما قطع الثالث قال: “أبارك والابن والروح القدس”. وعندما قطع الرابع قال: “يا من قبلت مديحاً من الأربع، أقبل ألم هذه الأصابع الأربع”. وعند الخامس قال: “ليت فرحي يكون عظيماً كفرح العذارى الخمس العالقات”. وهكذا كان على كل أصبع بقطع صلاة وتمجيداً لله. وعند لسادس قال: “اﻟﻤﺠد لك يا رب، يا من مددت يديك الطاهرتين على الصليب، في لساعة السادسة وجعلتني مستحقاً أن أقدّم لك أصابعي الستة”. وعند السابع قال: كمثل داود الذي سبّحك سبع مرّات في اليوم، هكذا أنا اليوم أسبحك بأصابعي السبعة المبتورة من أجلك. وعند الثامن: “أنت يا رب استرحت في اليوم الثامن”. وعند لتاسع: “في الساعة التاسعة، يا مسيحي، استودعت روحك بيدي أبيك، وأنا أقدم لك الشكر لألم الأصبع التاسع هذا”. وأخيراً لما قطع الجلاد آخر إصبع من أصابعه قال: “أرتل لك، يا رب، على عود ذي عشرة أوتار وأباركك لأنك أهّلتني لاحتمال قطع أصابع يدّ الاثنين من أجل وصاياك العشر المكتوبة على ألوح الحجر”.
كان استشهاد يعقوب في مدينة بابل على ﻧﻬر الفرات في العام ٤٢٥ ميلادية.
الطروبارية
+ يعقوبُ الشهيدُ فرعُ فارسَ النَّقِيْ، أغرقَ التنينَ الغاش بجَريِ دمِه الزَّكي، وظهر في التقطيعِ جنديًا للمخلّصْ، منتصرًا كمطيعِ بالإيمانِ الحقِّ المُخْلِص، فهو يشفعُ بلا انقطاعٍ من أجل نفوسنا.