القدّيس نيفون
ولد القدّيس نيفون في البليوبونيز لأبوين نبيلين فاضلين وأُعطي اسم نيقولاوس. كان أبوه مستشارًا لأمير دالماتيا، وقع ضحية الوشايات فحُحكم عليه بالموت. أطلقت سراحه زوجة الأمير، فلجأ إلى البليوبونيز حيث صار مستشارًا أولاً لأمير موريا، توما بالييلوغوس.
مجّ نيقولاوس اللعب، منذ نعومة أظفاره، وانكبّ على دراسة الكتب المقدّسة وىلآباء المتوشحين بالله. أتقن ترتيب الخدم الليتورجيّة وهو في الثانية عشرة. أثار إعجاب معلذمه لحدّة ذكائه. نزع إلى إتّباع مثال الرهبان القدّيسين الذين قرأ سيرهم بشغف. مرّ به راهب اسمه يوسف تجاذب معه الحديث وتبعه دون أن يودّع والدته وأقرباءه، ولمّا بلغ أبيدافرا، سمع عن ناسك معروف تقدّس اسمه انطونيوس، ذهب لزيارته أعجب بطريقة حياته وتعليمه. لفته أنطونيوس إلى صعوبة الحياة النسكيّة. حظي ببركة بقائه لديه، بعدما أصرّ بدموع، أمّا يوسف الراهب فواصل طريقه. عَمَلُ طاعة الطالب الجديد كان الخطّ. أقبل بهمّة على أعمال النسك، أطاع الشيخ طاعة كليّة واجتهد أن يقتدي بسيرته الملائكيّة في التفاصيل.
ألبسه أنطونيوس الثوب الرهبانيّ بسرعة وأعطاه اسم نيفون. مذ ذاك ضاعف جهوده، ولم يكن أحد يراه يضحك البتذة أو تخرج من فمه كلمة بطّالة. لم يكن يقرأ إلاّ بدموع. بعد فترة قصيرة رقد أنطونيوس بالربّ، فخرج نيفون يبحث عن أب روحيٍّ جديد. سمع براهب آثوسيّ فاضل حكيم اسمه زخريا، يقيم في مدينة أرثا، فذهب إليه وطلب منه أن يعلّمه طريقة الحياة في الجبل المقدّس. لكن الاضطرابات التي حصلت في الكنيسة نتيجة الوحدة الزائفة، الآتية من مجمع فلورنسا. تبع القدّيس نيفون شيخه إلى نواحي عسقلون وكروغيا في ألبانيا سعيًّا إلى تثبيت الشعب في الإيمان الأرثوذكسيّ.
بعد سقوط القسطنطينية لجأ القدّيسان إلى الجبل المقدّس وبعد عودة الهدوء رجعا إلى أوخريدا حيث أقاما في دير والدة الإله، ومن ثم رُسِمَ أبوه الروحي أسقفًا على أوخريدا فتركه نيفون وخرج إلى الجبل المقدّس، وهناك شرع يعلّم فأثار بتعليمه إعجاب الرهبان الآثوسيّين لعمق معارفه، ثم اعتزل في دير ديونيسيّو، حيث اقتبل الإسكيم الرهبانيّ وسيم كاهنًا. بعد رقاد متروبوليت تسالونيكي، اختار الإكليروس والشعب نيفون خلفًا له. شرع يبشّر بافيمان الأرثوذكسيّ إصلاحًا للأخطاء المدسوسة. كان عزاء للشعب المسيحيّ الرازح تحت النير العثمانيّ. وكان يتردّد على بيوت البائسين ليوزّع الإعانات، ونجح بمواعظه في هداية العديد من غير المؤمنين.
في العام 1486 انتخب بطريركًا للقسطنطينية، استعادت الكنيسة الأرثوذكسيّة فرحها بسبب هذا المدافع الغيور. تعرّض للنفي على يد الدولة التركيّة فلجأ إلى دير السابق المجيد في سوزوبوليس في تراقيا، بعد مصادرة كمية كبيرة من الأواني الكنسيّة المقدّسة وأطلقت حملة اضطهاد على الكنيسة وألقت العديد من الإكليروس في السجون، بقي في النفي سنتين يسأل الصفح لأعدائه.
إثر الفترة البطريركيّة الثانية التي قضاها القدّيس ديونيسيوس الأول وكذلك مكسيموس الرابع، استدعي نيفون، ليتسلّم كرسي القسطنطينية. كان هذا في أواخر العام 1497م. وجد الكنيسة هناك في اضطراب عرضة لفضائح جمّة. ذات يوم التقى البطريرك في الشارع السلطان وموكبه. حيّاه دون أن يبدي في حضرته الإكرامات التي يفرضها العُرف. للحال جرت إقالته، مرّة أخرى، ورُحِّل إلى أدرينوبوليس، وصار ممنوعًا عليه التعليم. توسّط الأمير الفالاخي رادو الكبير لدى الدولة التركيّة فسُمح لنيفون بالإنتقال إلى ما وراء الدانوب ليتسلّم زمام الكنيسة الهنغاريّة ويعمل على إصلاح وتعليم الشعب والإكليروس الناموس الإلهيّ وكان ذلك في العام 1503م. دعا إلى اجتماع للشعب والبويار واقترح تدابير اعتبرها ضرورية لتقويم الأخلاق المفسدة نتيجة الممارسات السيئة والإعتقادات الفاسدة. بعد فترة حدث خلاف مع الأمير فارتحل مع تلميذيه، مكاريوس ويواصاف، إلى مقدونيا حيث أقام لبعض الوقت يعلّم الشعب المسيحيّ.
أخيرًا عاد إلى الجبل المقدّس فاستقبله رهبان فاتوبيذي بفرح. بعد قليل من استشهاد تلميذه مكاريوس التسالونيكي، ترك الدير سرًّا وتحوّل إلى دير ديونيسيّو متخفّيًا، غير أن الربّ أعلن لرئيس الدير من هو هذا الغريب العظيم في سيرته وجهاده ورتبته الكهنوتيّة فأمر بإعداد العدّة لاستقباله كبطريرك القسطنطينية، فلمّا عاد من عمله الذي كان يمارسه في الدير، كانت الشركة كلّها في انتظاره بالباب على قرع الأجراس، إكرامًا لرتبته، فلمّا طالعه المشهد انطرح أرضًا والدموع في عينيّه وسأل الأخوّة الصفح لأنّه خدعهم. ولمع القدّيس في الجبل بسبب تعليمه وعجائبه إلى أن بلغ التسعين سنًّا، وإذ درى بمغادرته هذه الأرض دعا كلّ الأخوّة وحضّهم على اليقظة في اتّباع القواعد التراثيّة للحياة الرهبانيّة وأن يجاهدوا بغيرة ليُحسبوا أهلاً لملكوت السموات. وبعدما باركهم وسألهم العفو، رقد بسلام في الربّ في 11 آب في العام 1508م.
الشماس أفبلوس الشهيد
أبّان حكم الأمبراطور ديوكليسيانوس (284م-305م)، ومن بعده مكسيميانوس (305م-311م)، قبض الجند على الشمّاس أفبلوس فيما كان يعظ الجموع، واقتادوه الى محكمة كاتانيا في صقليّة. فدخلها صارخًا بصوتٍ عال: “انا مسيحيّ ولست أمانع ان اموت من اجل اسم المسيح”. فأمر القاضي كالفيسيانوس بإدخاله، وسأله عن معنى ما يقول، فأجابه انّ هذه هي شريعة الرب . فسأله ممّن هي ؟ فقال “مِن يسوع المسيح ابن الله الحيّ”. واذ اعتبر كالفيسيانوس هذه الاعترافات كافية، أسلم أفبلوس للجلاّدين.
ومضى الوقت ومثل أفبلوس من جديد امام المحكمة، وسأله القاضي: “اما زلت متمسكا باعترافاتك؟ واين هي كتبك؟” فأجاب القدّيس: “إنّها فيّ” مبديًا بإشارة انّه يحفظها عن ظهر قلب. إذ ذاك أمر القاضي بأن يُمدَ ويُخضع للتعذيب الى ان يرتضي التضحية للألهة. فقال له الشمّاس أفبلوس “من زمان وانا أشتهي هذه العذابات، زد تعذيبي فأنا مسيحيّ، إنّي أعبد الآب والابن والروح القدس ثالوثًا قدّوسًا. لا إله خارجه، لتُبد الأصنام التي لم تخلق السماء والارض، مسيحيّ انا “.
ضاعف الحاكم العذابات طالبًا منه ان يُضحّي وينقذ نفسه فأجاب: “بلى سأضحّي. لكن ذاتي هي التي اضحّي بها للمسيح الله. ليس لدي اكثر من ذلك أبذله. جهودك لا تنفع، فأنا مسيحي”. فأملى كالفيسيانوس الحكم بقطع رأس القدّيس لأنه احتقر مراسيم الأباطرة. ولمّا وصل القدّيس الى مكان الأعدام جثا على ركبتيه وصلى طويلا وهو يشكر الله. ثم مدّ رأسه من ذاته للجلاد وجرى قطعه. هكذا أتمّ شهادته سنة 304 م.
القدّيسان أنستاسيوس وديمتريوس لسبوس
إثر وفاة والد القدّيس ديمتريوس تزوجّت أمه رجلا قاسيا عنيفا. ففرّ من المنزل اتقاء للضرب. احتضنه أحد الأتراك. ولما بلغ الثامنة عشرة وعده بإعطائه إبنته زوجة إن اقتبل الإسلام. رفض وفرّ إلى كاسامبا في آسيا الصغرى. هناك انضمّ إلى أحد أقربائه أنستاسيوس، الذي كان في العشرين من عمره. علّمه نسيبه مهنة صنع السلال. ذات يوم فيما كان يضفر السلال وأنستاسيوس في ظلّ شجرة دلب، توقف ضبّاط من الجيش العثماني في المكان. وإذ عاينوا الشابين اقترحوا عليهما الإسلام لينعما بالغنى والنساء. للحال وقف أنستاسيوس وديمتريوس واعترفا بأنهما مسيحيان وأنّ الإنجيل لا يسمح بمثل تلك الممارسات الشائنة، شعر الضبّاط، بإزاء صلابة الشابين، بالمهانة فألقوا عليهما الأيدي واستاقوهما إلى المحكمة واتّهموهما بالتعرّض لدين محمد. أبدى أنستاسيوس وديمتريوس ثباتا وشجاعة فائقة وردّا كل الوعود التي أمكن الأتراك أن يقدموها لهما، سلما إلى التعذيب، ومن ثم إلى الشنق. تمّ ذلك في 11 أب من السنة 1816 م.
الطروباريات
* شهيدك يا رب بجاهده نال منك الأكليل غير البالي يا إلهنا، لأنه أحرز قوّتك فحطم المغتصبين وسحق بأس الشياطين الّتي لا قوة لها، فبتوسلاته أيها المسيح الإله خلّص نفوسنا.
* لما تجلّيت أيّها المسيح الإله في الجبل، أظهرت مجدَكَ للتلاميذ حسبما استطاعوا، فأَطلع لنا، نحن الخطأة، نورَكَ الأزليّ. بشفاعات والدة الإله، يا مانحَ النور، المجدُ لك.