القديس باييسيوس الآثوسي
ولد القدّيس باييسيوس (أرسانيوس إزنيبيذي) في فاراسا من أعمال كبادوكيا، في 25 تمّوز من عام 1924. في 12 تمّوز من عام 1994 رقد، ودفن في دير القدّيس يوحنّا اللَّاهوتيّ في سوروتي. عرفه العديدون من بلادنا.
عاصره وتربّى عليه الأب إسحق عطالله الآثوسيّ، من نابيه في لبنان، الّذي كان أبًا روحيًّا لعديدين من الرُّهبان والإكليريكيِّين والعلمانيِّين من بلادنا. وقد دوّن الأب إسحق عطالله السيرة التّفصيليّة في كتاب: “الشَّيخ باييسيوس الآثوسيّ”، منشورات الجبل المقدّس – آثوس، 2006.
أعلن مجمع كنيسة القسطنطينيّة (البطريركيّة المسكونيّة) قداسته في 13 كانون الثاني، 2015 . يُعيَّد له في 12 تمّوز، ذكرى رقاده.
القداسة في الكنيسة الأرثوذكسيّة أساسها السّيرة العَطِرَة بأعمال الرّوح القدس. ليست العجائب شرطًا لها، هي حاصِلةٌ على كلّ حال. البِرُّ الّذي في المسيح، أي حياة الفضيلة الّتي بالروح القدس، هي أساس إعلان القداسة في كنيستنا. والحياة كلمة مُعاشَة. من هنا، القداسة تظهر في تَجسُّد “الكلمة” في كلمة حياة القدِّيس، أي أن القدّيس يصير أيقونة الكلمة المتجسِّد وتعليمه الّذي هو حياة الدّهر الآتي.
كان القدّيس باييسيوس ذا حسّ رعائيّ كبير. يعرف في العمق صعوبات النّاس ومشاكلهم، وبروح الدعابة كان يعلّمهم ويعزّيهم. صلاته حارّة، ناريّة، مستَجابة. خلّص ولدًا من حادث سير وهو في قلاّيته يصلّي لأجل المسافرين. وحضر على آخر، كان مزمعًا أن يزوره ليطلب صلاته، فحَادَثَهُ وشفاهُ، مع كونه لم يترك قلّايته. وهبه الرّبّ نعمة التّنقّل بالروح في الصّلاة، لأجل تواضعه الكبير.
كان يعلّم بأنّ الفضيلة واحدة وهي “التّواضع”، كذلك، الرّذيلة واحدة وهي “الكبرياء”. وكان يعتبر أنّ “حبّ الذات”، أي الأنانية، هي “أمّ كلّ الأهواء”، لأنّ كلّ الأهواء الجسدانيّة أو النّفسانيّة، تستمدّ قوّتها منها. لذلك، “الإنسان المتواضع متعاطف ومحبوب، أمّا المتكبّر فمثير للاشمئزاز. لا أحد يحبّ المتكبّر، حتّى أنّ الله نفسه يتجنّبه”.
يشدِّد قدّيسنا على أنّ النّعمة الإلهيّة المؤازِرة للإنسان المجاهِد في عيش الوصيّة، تكفّ عن السُّكنى فيه عندما يعمل بحسب مشيئته وأهوائه، يقول: “إنتبه!، لأنّك هكذا تطرد النّعمة”. بالنسبة له، “الجهاد ضدّ الأهواء شهادة متواصلة من أجل الوصايا حبًّا بالمسيح. الموت ببطولة خير من الانهزام أمام الأعداء”.
كان يشجّع ويهب الرّجاء للآتين إليه دائمًا: “ليكن قولك: بمعونة الله سأحاول أن أصطلح، والله يمنح المعونة”. لكنّه لم يكن يقبل بالتّهاون والكسل بل كان يعلّم قائلًا: “نظنّ، مخطئين، أنّنا نستطيع اقتناء الفضائل والقداسة دون جهاد. لكي يعطي الرّبّ، علينا أن نبذر. الله يرسل المطر ويسقي التّربة ويجعلها جاهزة، وهنا يأتي دورنا فنحرث الحقل ونبذره”.
“من يعمل ويعلّم يدعى عظيمًا في ملكوت السّماوات” (متّى 5: 19). لقد علَّمَ القدّيسُ باييسيوس الآثوسيّ بحياته، لذلك لم تكن تعاليمه وكلماته سوى حياته نفسها، وخبرته، الّتي نقلها إلى العالم، حبًّا، على صورة معلّمه.
قد منحنا الرّبّ شفيعًا حارًّا في هذه الأزمنة الأخيرة. فلنتمسّك به رفيقًا ومرشدًا إلى الرّبّ ولنُصَلِّ:
بشفاعة قدّيسك باييسيوس الآثوسيّ أيها الرّبّ يسوع المسيح إلهنا ارحمنا وخلّصنا. آمين.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما – عن “الكرمة”، العدد 5، الأحد 1 شباط 2015
من أقوال القديس باييسيوس الآثوسي
عندما تأخذ شيئاً تفرح بشرياً لكن عندما تعطي شيئاً تأخذ فرحاً إلهياً
عندما وبداعي محبتنا لا نفني أنفسنا فمحبتنا مهما كبرت لا تكون خالصة هي مضروبة لكن عندما ننكر أنفسنا عندها تلمع المحبة بنقاوتها
من اللحظة التي يضع فيها الإنسان نفسه مكان الآخر يستطيع بعدها أن يحب الكل
لا يطلبنّ الواحد من الله، لا أنواراً ولا مواهب ولا شيئاً آخر سوى التوبة فقط: توبة وبعدها توبة.
علينا ألا نكتسب الروح العالمية. يريد أهل العالم عملاً قليلاً وحتى بطالةً كلّية مع مال كثير، والتلاميذ أن يأخذوا علامات جيّدة دون أن يدرسوا. حاولوا أن تجاهدوا. حياتنا كلّها تعب.
لا أنصح بأن نطلب إعلاناً من الله، طالما نستطيع الحصول على إرشاد آخر. هكذا يريد الله أن نفعل من أجل التواضع، لأنه إن لم نعمل بهذه الطريقة، فبامكاننا أن نقع أحياناً في الضلال.
بالنسبة لتربية الأولاد كان يوصي:” يحتاج الأولاد إلى الصلاة الكثيرة لكي يسلكوا طريقاً حسنة. علينا ألاّ نتساهل معهم لئلاّ يكتسبوا ميوعة ولا نقسو عليهم لئلاّ ينفروا. السرّ هو أن نعرف إلى أي حدّ علينا أن نشدّ الحبل. لا يحسن أن يدخل الأولاد في نقاش مع الكبار.”
ما يعيق الإنسان في التقدّم الروحي هو أن عقلَه لا يعمل في ما ينفعه روحيًّا بل في أمور أخرى.
علينا ألا نكتسب الروح العالمية. يريد أهل العالم عملاً قليلاً وحتى بطالةً كلّية مع مال كثير، والتلاميذ أن يأخذوا علامات جيّدة دون أن يدرسوا. حاولوا أن تجاهدوا. حياتنا كلّها تعب
طروبارية القديس باييسيوس
لأبينا باييسيوس هيا نُعلي المديح
من استبان نموذجاً حياً للمجاهدين
وهو ختمٌ للرهبان وكمالهم مملوءٌ محبةً
كالنسر يحلّق بالروح ويدفق بالانعام
وهو شفيعٌ للناس حارٌّ ومستجيبُهم بسرعةٍ.
—
القدّيس ميخائيل
ولد القدّيس ميخائيل في العام 894م في خرسيانون في بلاد الكبادوك. كان من عائلة ماليينوس الشهيرة المقتدرة التي أعطت الأمبراطورية قادة عسكريّين ورجال دولة وتربطها بالعائلة الملكيّة صلة قرابة. بقي والداه بلا عقب زمنًا طويلاً وقد حظيا به إثر رؤية لوالدة الإله. اسمه في المعمودية كان مانوئيل، لمّا كان في القسطنطينية مع أبيه حضر جنازة قريبه فاعتبر أن المجد والكرامات الأرضيّة باطلة، واجتاحته رغبة في الحياة الرهبانيّة، فرّ من منزل أبويه وجاء إلى قرية عند أسفل جبل في بيثينيا إلى شيخ اسمه يوحنا، وطلب إليه أن يقبله مع تلاميذه دون أن يعلن عن هويته الحقيقيّة، ألبسه الثوب الرهبانيّ وأعطاه اسم ميخائيل، ولمّا عرف أبوه بمكانه قصده حتّى يرجعه إلى البيت لكنّه فشل بذلك.
في الدير فُرِزَ القدّيس لخدمة الموائد فأبدى طاعة وتواضعًا فائقين في خدمة الإخوة. بعد سنتين من الجهاد المبارك أخذ النذور الرهبانيّة. لمّا رقد أبوه عمدت أمّه إلى اقتبال الحياة الرهبانيّة فيما تزوّجت أخته لتصير أمّ الأمبراطور نيقيفوروس فوقاس. أمّا ميخائيل فاقتسم الميراث وأخوه قسطنطين وسلّمه إلى أبيه الروحيّ الذي وزّع نصفه حسنات واستعمل الباقي لتوسيع الدير. نال بعد ذلك البركة ليخلد إلى السكون فنسك على صخرة قريبة من الدير في العام 918م. كان يمضي خمسة أيام من الأسبوع على الصخرة ويعود إلى الدير يومي السبت والأحد. بعد أربع سنوات دخل إلى البرّية الداخليّة وأقام هناك سنتين في إمساك شديد لا يتناول من الطعام إلاّ الخبز الجاف الذي كان يأتيه به أحد القرويّين. ومن هناك انتقل إلى ناحية بروسياس، وذاعت شهرته فجرى إليه العديدون يرومون اتباع سيرته. لم يشأ أن يقبلهم أول الأمر لكنّه ما لبث أن اذعن لمشيئة الله. وفي فترة وجيزة انضمّ إليه أكثر من خمسين راهبًا سلكوا في السيرة الهدوئيّة. ساس ميخائيل إخوته كموسى جديد وهذا جعل عدد الرهبان يزداد بسرعة كبيرة.
خلال السنوات الخمسين من سعي القدّيس ميخائيل الرهبانيّ لم يغيّر قانونه النسكيّ البتّة. كان دائمًا ممتدًا إلى الأمام. كان يبقى خمسة أيام في الأسبوع لا يتناول أيّ طعام، ولمّا دنت آخرته جعل صومه يمتد إلى اثني عشر يومًا خلال فترة الصوم الكبير. رقد بسلام في الربّ في العام 961م.
القدّيسان الشهيدان بروكلس وهيلاريون
صدر عام 102م قرارًا صادرًا عن الامبراطور ترايانوس بالقبض على كلّ من يمتنع عن تقديم الذبيحة للأوثان، ويعلنون أنّهم مسيحيّون وإلقائهم في النار. للحال انتشر المخبرون في كلّ مكان لاقتناص المسيحيّين مؤملين أنفسهم بالربح الخسيس، فيما عمد آخرون إلى تسليم المسيحيّين خوفاً من السلطة أو غيرة على الوثنيّة فجاء بعض هؤلاء إلى أنقرة في غلاطية. هناك جرى القبض على بروكلس الذي من قرية كاليبوس، بقرب أنقرة، واستيق إلى المدينة حيث اتفق وجود الأمبراطور شخصيّاً.
لمّا جيء ببروكلس إلى المحكمة مصفّداً بالقيود كان يرنّم للربّ بمزامير. مما أغاظ ترايانوس فأمر بإعادته إلى السجن. وبعد ثلاثة أيّام استدعاه الحاكم مكسيموس للإستجواب، وإذ أجابه القدّيس بجسارة حظي الحاكم من الأمبراطور بسلطة اللجوء إلى ما يراه مناسباً من وسائل التعذيب لكسر مقاومته.
ومن تلك المواجهات نذكر نقاشًا دار بين قديسنا والحاكم حول الفوانين والأنظمة إذ اعتبر يومها بروكلس أن هذه القوانين “فاسدة تدلّ على أعمالهم الشريرة” فأعتبر الحاكم أنّه يهين الأباطرة إذ تجاسر على مقاومة القوانين الّتي سنّوها لخلاص الشعب.
لم يخشى الموت على الرغم من التهديدات والتعذيبات الكثيرة فكان دائمًا يقول: “لست أخشى التعذيب لأنّه مكتوب لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد أمّا النفس فلا يقدرون أن يقتلوها. خشية الله خير من خشية الناس”.
فضح علانيّة زيف الآلهة، فكان جزاؤه أن مُدّد على منصبة التعذيب وانهالوا عليه جلداً حتّى أدموا كلّ جسده. أمّا هو فلم يئن ولا تفوّه بكلمة. وفيما هو ذاهب إلى تنفيذ حكم الإعدام التقى بابن أخيه هيلاريون فحيّاه وضمّه إلى صدره فما كان من هيلاريون إلا أن أعلن بالفم الملآن بأنّه هو أيضاً مسيحي. فقبض عليه العسكر وأودعوه السجن وبعد تنفيذ الإعدام ببروكلس، مَثل القدّيس هيلاريون أمام الحاكم، وبعد استجوابه وإصرار القدّيس على مسيحيته صدر القرار بإعدامه أيضا، فتمّ قطع رأسه، وهكذا تكلّلا القدّيسان بأكليل الظفر.
طروبارية للقدّيسين بروكلس وهيلاريون
شهيداك يا ربُّ بجهادهما، نالا منك الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنهما أحرزا قوّتك فحطّما المغتصبين، وسحقا بأس الشياطين الّتي لا قوَّة لها. فبتوسّلاتهما أيّها المسيح الإله خلّص نفوسنا.