كان القدّيس مودستوس راهبًا، أختير رئيسًا لدير القدّيس ثيودوسيوس. في ذلك الزمان غزا خسرو الثاني الفارسيّ الرض المقدّسة فنهب أورشليم وقلب كنائسها وأحرقها وبطش بأهلها وسبى ذوي الحرف من بنيها واستاق أسقفها زخريا أسيرًا واستولى على ود الصليب، ولم يغادرها إلا خرابًا وبقية أهلها شُرّدا. وشاء التدبير الإلهيّ أن يحلّ مودستوس محل أسقف المدينة وكيلاً فكانت له بركة إعادة جمع الشمل وإصلاح الكنائس واحتضان المضنوكين فيها. رمّم كنيسة القيامة المهدودة وأعاد تكريس ما دنّسه الفرس، كما دفن الآباء القدّيسين الذين طالتهم سيوف الغزاة في دير القدّيس سابا. كابد الكثير لكنّه نجح بنعمة ربّه ومؤازرة القدّيس يوحنا الرحيم، بطريرك الإسكندريّة. وإليه يعود الفضل في تعميد الشهيد أناستاسيوس الفرسي المعيّد له في 22 كانون الثاني. بعد وفاة أسقف أورشليم زخريا، تسلّم رسميًّا كرسيها، وبقي فيها حتّى رقاده في العام 634م.
القدّيسة البارة ثيوفانيس
ولدت لأبويها قسطنطين وحنّة بعد عقر. جاءت ثمرة سنين من الصلاة الحارة. جمعت جمال الطلعة إلى التقي والسيرة الفاضلة. اختارها الأمبراطور البيزنطي باسيايوس المقدوني زوجة لأبنه وخلفه لاون المكنّى الحكيم الذي ارتقى العرش باسم لاون السادس بين العامين 886 و912م. كانت ثيوفانيس غير الملكات والأميرات، سلكت غير مسلك، إزدرت الكرامات والمتع. انصرفت إلى الصلاة والإنشاد واهتمّت بإعالة الفقراء والعناية بالمرضى والمنكوبين. اعتادت إرتداء لباس الأميرات فةق ألبسة قاسية خشنة. مارست الصوم والسهر وأعمال النسك أسوة بالرهابين. باعت حلُيَّها ووزّعت المال على الفقراء. كانت تجالس الرهبان طويلاً تسألهم وتتعلّم منهم كيفيّة تنقية القلب والتأمل في الله. ساكت في الاتضاع وكان لها راهب شيخ تطيعه وتسير في هديه. كانت على توقير وافر للناس لا فرق من كانوا أو كان مقامهم. كلنت تتّخذ من حصيرة مرقدًا لها وتحافط على تلاوة الساعات في أوانها. بعد وفاة ابنتها رغبت أن تعتزل العالم والانضمام إلى أحد ديورة النساء لكن أبوها الروحيّ لم يسمح لها بالأمر فأطاعته حتّى النهاية. رقدت بالربّ بسلام في السنة 893م ، لم تكن قد جاوزت الأربعين من عمرها. رفاتها اليوم محفوظة في مقر البطريركيّة المسكونيّة.
القدّيس حجّاي النبي
اسمه معناه “المولود في يوم عيد” وهو صاحب سفر حجّاي، العاشر من اسفار أنبياء العهد القديم الإثني عشر الصغار. يقع في إصحاحين وثمان وثلاثين آية. يسبق سفر زكريا وهو معاصر له. تنبأ حجّاي في زمن داريوس الملك الفارسي (522 -486 ق.م). وكان زربّابل بن شألتئيل حاكم يهوذا ويشوع بن يوصاداق رئيس كهنة.
تفوّه حجّاي بأربع نبوءات أثبت لكل منها تاريخا محددا، وهي تمتدّ من شهر آب إلى شهر كانون الأول من السنة 520 ق.م. الموضوع الأساسي للسفر: إعادة بناء هيكل الرب.
فقرابة العام 537 ق.م. عاد المسبيّون اليهود من بابل إلى أرض آبائهم بعدما أطلقهم قورش الفارسي الذي تمكن من أمبراطورية بابل في حدود العام 539 ق.م. ولما شرعوا في إعادة بناء الهيكل سنة 537 ق.م.(عزرا 3). وكانوا متحمّسين، واجهتهم صعوبتان أساسيتان ففتروا وصرفوا النظر عن العمل فيه إلى وقت لاحق. الصعوبة الأولى كانت مقاومة أهل السامرة لهم والصعوبة الثانية ضيق ذات اليد.
وكرّت الأيام، خمسة عشر يوما. انصرف العائدون خلالها كل إلى شؤونه الخاصة. بنوا بيوتهم وبيت الرب نسوه. ألفوا تأجيل عمل الرب ولم تعد ضمائرهم تبكّتهم. استهانوا به وتعلّلوا بعلل الخطايا فبقي خرابا. فقام حجّاي ونخسهم بمنخس كلمة الله. هذا ما يوله الرب الإله لكم :
“فكروا في مصيركم”نفكروا في ما آات إليه حالكم. لم تعد بركة رب القوات عليكم. السماء حبست الندى والتربة والغلّة. الأرض قحلت وكذلك الجبال. “زرعتم كثيرا واستغللتم قليلا. أكلتم ولم تشبعوا، شربتم ولم ترتووا. اكتسيتم ولم تدفأوا. والذي يأخذ أجرة يأخذها في صرّة مثقوبة”(1 :6). يركض الشعب وراء الرزق زالرزق يهرب منه. لماذا؟ لأنهم سكنوا في بيوت مسقوفة وبيت الرب خرب. اهتموا بما لأنفسكم وتركوا ما للرب. ليس بيوت مسقوفة وبيت الرب خرب. اهتموا بما لأنفسكم وتركوا ما للرب. ليس لله بيت في وسطهم. لم يعد ساكنا بينهم. غادرتهم البركة. فلا حلّ لهم ولا يرضى الله عنهم إلا إذا بنوا الهيكل من جديد.” أعيدوا بناء البيت فأرضى به وأظهر فيه مجدي. قال الرب “(1 :8).
ونبّه الرب الإله روح زربّابل ويشوع وبقية الشعب فانتبهوا. خافوا فباشروا العمل في ثلاثة وعشرين يوما.
وما إن أخذ الشعب في العمل حتى واجهته تجربة قاسية فارتخت أوصاله. ذكر ما كان للهيكل في ايام الآباء من عز وما كان عليه من غنى فانحطت عزائمه لأنه كيف يجاري القدامى وإمكاناته محدودة بهذا القدر. ظنّوا أنهم هم البناة من دون الله فاستعظموا وخافوا وخاروا. فكانت كلمة الله إليهم أن يتشدّدوا ويعملوا ولا يخافوا لأن رب الجنود معهم وروحه قائم في وسطهم حسب وعده لهم منذ خروجهم من مصر (2 :4 -5). عملهم، على تواضعه، يقبله ويباركه. وهوهو الذي سوف يملأ هذا البيت مجدا وغنى. “لي الفضّة ولي الذهب”.” مجد هذا البيت الأخير سوف يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود”(2 :9). وفوق ذلك يعطيهم السلام.
كلام حجّاي، لا سيما في الإصحاح الثاني من سفره، يذيع المسيح المنتظر “مشتهى الأمم” (2 :7)، على حد تعبيره. أي هيكل ينطبق عليه القول الراهن غير هيكل جسد الرب يسوع (يوحنا 2 :19-21)؟ ومن الذي أظهر مجد الله إلى تمامه غير القائل “أنا مجدّتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته”(يوحنا 17:4)؟ ومن الذي به صار سلام الله إلى المسكونة غير القائل :” سلامي أعطيكم. لا كما يعطيكم العالم “(يوحنا 14: 27 )؟والسلام الذي يعطيناه هو نفسه. هو سلامنا كما قال الرسول المصطفى بولس (أفسس 2 :14). هذا الأعلان عن المسيح الآتي يقترن في آخر السفر بعهد طالما قطعه الرب الإله على نفسه وهو باق عليه، يكرّره اليوم لزربابل، سليل داود، محققا متى كمل الزمان :” في ذلك اليوم يقول ربّ الجنود آخذك يا زربابل عبدي ابن شألتئيل يقول الرب وأجعلك كخاتم لأني قد اخترتك يقول ربّ الجنود”(2 :23).
وفي السفر أقوال تطلّ على الأيام الأخيرة لمّا ينطوي الزمان وتباد قوى هذا الدهر. “هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة”(2 :6). “وأقلب كرسيّ الممالك وأبيد قوة مالك الأمم..” (2 :22). هذه نحسبها تتحقق في الزمن الذي ذكره كتبة العهد الجديد :” متى جاء أبن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القدّيسين معه فحينئذ يجلس على كرسيّ مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب”(متى 25 :21 -32).
كل هذه الوعود كانت بحجّاي ليتشدّد الشعب ويعرف أن الله معه. “من هذا اليوم أبارك”(2 :19) قال ربّ الجنود ولكن ، ثمة شرط على الشعب أن يلتزمه قبل أن يضع حجرا على حجر في هيكل الرب :ان يمتنعوا عن كل نجاسة ويجتنبوا كل محرّمة. الأمانة لله وأحكام الشريعة أولا. إصلاح النفوس قبل إصلاح البيت. هذا ما تطالعنا به النبوءة الثالثة من سفر حجّاي (2 :10 -19).
يبقى ان السفر برمتّه يطال كل من استقر عليه اسم إلهه، وهو معاصر لنا بروحيته. أوليس أنكم أنتم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم؟! هذا الهيكل بحاجة إلى من يصلحه بالتوبة وحفظ الوصية والأمانة. بهذا تستعاد بركة الله على شعبه ويتمجّد الله في أحبّته بعدما ألف الأكثرون النجاسة وأضحى اسم الله بسببهم مجدفا عليه بين الأمم(رومية 2 :24) “توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب”(أعمال 3 :19).
الطروبارية
+ إننا معيّدون لتذكار نبيّك حجي، وبه نبتهل إليك يا رب، فخلّص نفوسنا.
+ لما فضَّلتِ السماويات برغبة يا ثيوفانيس، قضَيتِ حياتك على الأرض بسيرة ملائكية، فلذلك استأهلتِ المواهب السماوية، مع مراتب الملائكة ومصاف القدِّيسين، ماثلةً لدى ملك الكل، فإليه ابتهلي لكي نجد رحمة.