القدّيسين البار لعازر – أبينا جنّاديوس – البار لونجينوس
ترهّب القدّيس لعازر شابًا صغيرًا. تمسّك بالايمان القويم. نفاه عدو الإيقونات الأمبراطور ثيوفيلوس إلى دير للسابق. استمرّ في رسم الإيقونات رغم الاضطهاد. بعض أيقوناته أضحى عجائبيًّا. سيم كاهنًا، قيل أن الله غفر لثيوفيلوس الملك بسبب صلاته من أجله. أوفده الأمبراطور ميخائيل الثالث والبطريرك أغناطيوس القسطنطينيّ مرتين إلى روما لإعادة اللحمة والسلام بين الكنيستين الشرقيّة والغربيّة. رقد بسلام في الربّ في روما بعد مرض ونقلت رفاته إلى ديره في غلاطا.
خلف القدّيس جنّاديوس البطريرك أناتوليوس عام 458م عرف بتقوله واستقامته. قيل أنّه كان لامعًا في الكلام، واسع الاطلاع، حاد الذكاء. اهتّم بضبط شؤون الكهنة بعدما كانت السيمونية قد تفشّت. عقد لذلك مجتمعًا في القسطنطنية بين العامين 458 و459. له مؤلف في موضوع السيمونية هو الوحيد المحفوظ بكامله من كتاباته. هو الذي فرض الأحد كيوم عطلة. اهتمّ بالمحافظة على التوازن في العلاقة بين الكنيسة والسلطة المدنيذة. مدافع قوي عن الايمان الأرثوذكسيّ. تنسب إليه بضع عجائب. له مؤلفات عديدة لا نعرف إلا شواهد منها هنا وهناك في كتابات المتأخرين. اهتمّ بصورة خاصة بدراسة الكتاب المقدّس. كتابته تدلّ على أنّه كان ينتمي إلى المدرسة الكتابيّة الانطاكيّة. رقد في قبرص، قيل أنّه ضلّ طريقه وسط عاصفة ثلجيّة ثم اهتدى إلى بيت قرعه فلم يفتح له، وفي اليوم التالي وجدوه ميتًا عند الباب بردًا.
يُقال إن القدّيس لونجينوس من بلاد الثغر (كيليكية) وإنّه أمضى زمانًا في سورية قبل أن ينتقل إلى صحارى مصر. عاش في القرن الرابع أو الخامس للميلاد. ينس إليه عدد من الأقوال يستخلص منها أنّه كانت له موهبة طرد الأرواح الشريرة وشفاء المرضى.
قل جاءته امرأة تشكو من سرطان في صدرها ولم تكن لها به سابق معرفة. فسألته أين يقيم الأب اونجينوس يا أبت؟ فأجابها: وماذا تريدين من هذا المخادع الغشّاش؟ لا تذهبي إليه، ثم سألها ما بها فأخبرته عن حالها، فبارك موضع الداء وأطلقها قائلاً: إذهبي والربّ يشفيك، لأن لونجينوس لا يمكنه أن ينفعك البتة. فمضت مصدّقة ما قاله لها، وللحال شفيت. وسأله مرّة راهب يطلب مزيدًا من العزلة قائلاً: “أريد أن أعيش في غربة”. فقال لونجينوس: “إذا لم تحفظ لسانك فلن تكون غريبًا أينما حلّلت. إحفظ لسانك هنا فتصير غريبًا”.
وسأله نفس الراهب: “أريد أن أهرب من الناس”. فأجابه: “إذا لم تحقق الفضيلة وأنت بين الناس أولاً فلن تستطيع بمفردك وأنت في البرية أن تحقّقها”.
وقال أيضًا: “المرأة تعرف أنّها قد حبلت متّى توقّف ينبوع دمها. هكذا النفس فغنّها تحبل بالروح القدس عندما تتوقّف الأهواء التي تجري من تحتها. فإذا كانت تساكن الأهواء، فكيف تقدر أن تتظاهر بعدم الهوى؟ أعط دمًا وخذ روحًا”.
أبينا الجليل في القدّيسين غريغوريوس العجائبيّ رئيس أساقفة قيصرية الجديدة
أبصر غريغوريوس، وكان أسمه في الأساس ثيودوروس، النور في مدينة قيصرية الجديدة في بلاد البنطس حوالى العام 213 للميلاد. كان والداه وثنيين وكان له أخ وأخت. وقد سمح له وضع عائلته بتلقي نصيب لا بأس به من العلم، فدرس الآداب والفقه والخطابة. تمتع بمواهب جمة وامتاز بالحكمة والوداعة ومال إلى الهدوء والتأمل.
كان في صباه غير ما كان عليه أترابه. وكثيرا ما حاولوا أجتذابه إليهم أو حتى إرباكه فلم ينجحوا في تحويله عن خط سيره. مرة دفعوا بواحدة من الغواني فدنت منه أمام الملأ وطالبته بما لها عليه من متعة مزعومة قضتها له، فلم يجبها ولا دافع عن نفسه بل أعطاها ما تريد وتركها تذهب.
توفي والده وهو صغير السن وشاءت والدته لمّا رأته فيه من ذكاء حاد وميل إلى العلم أن ترسله إلى مدرسة بيروت التشريعية الشهيرة في ذلك الزمان. ولمّا كانت أخته على أهبة الزواج من وكيل حاكم فلسطين فقد رافقها هو وأخوه، أثينودوروس، إلى قيصرية على أمل الأنتقال منها إلى بيروت بعد ذلك. ولكنه تعرّف في قيصرية إلى المعلم المشهور أوريجنوس فأخذ بعلمه ومنطقه وتقواه وأثر البقاء في قيصرية.
لازم غريغوريوس و أخوه أوريجنوس خمس سنوات واعتمدا منه. وقيل أنهما لحقا به إلى الأسكندرية لبعض الوقت بعدما جّد حاكم فلسطين في طلبه إثر موجة جديدة من الأضطهاد على المسيحيين.
واخيرا عاد غريغوريوس إلى موطنه فلقيه قومه بالترحاب وأنهالت عليه عروض التوظيف. ولكن، كانت عين غريغوريوس في غير مكان فترك الحياة العامة واهتمامات الدنيا وانصرف إلى البرية ينشد التسك والصلاة والتأمل في الكتاب المقدّس. ويقال أنه لازم الفقر بضع سنوات.
وإن هو سوى زمان قليل حتى ذاع صيت فضائله وبلغ أذنّي فيديموس، أسقف أماسيا التي تقع قيصرية الجديدة في إطارها، فاراد أن يجعله أسقفا على مسقط رأسه رغم أنه كان بعد في الثلاثين. قيصرية الجديدة كانت يومها وثنية الا سبعة عشر شخصا أقتبلوا المسيحية. فلما علم غريغوريوس بعزم الأسقف ترك مكانه وتوغل في البرّية هربا. إلا أن ذلك لم يثن فيديموس عن قصده ولا منعه من تنفيذ رغبته. فقد لجأ إلى طريقة قلّما ألفها تاريخ الكنيسة أو أقرّتها الأعراف، إذ عمّد إلى سيامته غيابيا وأنفذ له علما وخبرا بذلك. في هذه الاثناء جاء غريغوريوس صوت من السماء يقول له :”أذعن لإرادة رئيسك وأسقفك فيديموس. إنها هي إياها إرادة الله”. فترك منسكه للحال وتوجه إلى أماسيا حيث وضع نفسه في تصرف أسقف المدينة .
كأسقف على قيصرية الجديدة أبدى غريغوريوس غيرة وهمّة كبيرين. وقد منّ عليه الله بمواهب جمّة، فتمكّن بالمحبة والصلاة والكلمة وصنع العجائب من هداية أهل المدينة والجوار. ويقال أن عدد الوثنيين في المدينة كان مساويا، عند وفاته، لعدد المسيحيين وقت دخوله إليها أسقفا : سبعة عشر .هذا علما بأن زمن ولايته كان زمن حرب وطاعون واضطهاد.
أما عجائبه التي أورد قسما كبيرا منها كل من القدّيسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس النيصصي فكانت غزيرة، واسعة النطاق، مدهشة. قيل أنه كان له سلطان على الأرواح النجسة والجبال والمياه وكان يشفي المرضى وكانت له موهبة النبوة ويعرف مكنونات القلوبز كما كان، بنعمة الله، قادرا على الاختفاء عنأعين مضطهديه. يروي في هذا الشأن أنه بعدما أطلق داكيوس قيصر شرارة الاضطهاد على المسيحيين حوالي العام 250 للميلاد أنصرف غريغوريوس وجمع غفير من أبناء رعيته إلى الجبال المتاخمة لقيصرية الجديدة. وحدث ذات مرة، أن جنودا رصدوه، هو وشماسه على احدى القمم فصعدوا إليه وكادوا أن يدركوه بعدما كانوا على بعد خطوات معدودة منه. ولكن ماذا جرى؟ تقدّم الجنود قليلا إلى الأمام فعاينوا شجرتين باسقتين ولم يروا أثرا فعتدوا خائبين.
وبعما همدت حملة الأضطهاد هذه، عمد غريغوريوس إلى جمع رفات الشهداء وجعل لهم أعيادا سنوية ثابتة. ولعل بعض مواطن الإبداع في ما فعله غريغوريوس كان تعيينه أعياد الشهداء في نفس الأيام التي أعتاد الوثنيون إقامة أحتفالاتهم وسمح ببعض مظاهر الفرح والتعييد الوثنية. بكلام آخر عمّد غريغوريوس الأعياد الوثنية، تمثّلها، وبالتالي ساعد على إلغائها من وجدان الناس.
من جهة اخرى يذكر القدّيس غريغوريوس النيصصي الذي كتب سيرة سميّه العجائبي أنه أول من شهد التاريخ القديم لمعاينته والدة الإله. ففي إحدى الليالي ظهرت له والدة الإله برفقة القدّيس يوحنا اللاهوتي وكشفت له سر وحدة الجوهر الإلهي والتمايز بين الأقانيم الثلاثة، الآب والأبن والروح القدس. وقد شكّل هذا الكشف ما عرف ردحا من الزمن بدستور القدّيس غريغوريوس العجائبي الذي أعتادت تلاوته كنائس قيصرية الجديدة والجوار. وهذا الدستور عينه أستعان به الآباء في المجمع المسكوني الثاني (381 م) لإخراج دستور الإيمان المعروف إلى يومنا إلى النور.
هذا الكشف جعل الآباء ينظرون إلى غريغوريوس وكأنه موسى ثان يتلقى الإعلانات الإلهية مباشرة من لدن العلي.
أما رقاد القدّيس غريغوريوس فكان بسلام في الرب بين العامين 270 و275 للميلاد. وقد قيل أنه أوصى بأن يدفن في قبر من قبور الغرباء لا في قبر خاص لأنه لم يختص نفسه بشبرأرض في حياته ولم يشأ أن يختص جسده بشبر واحد في مماته.
الطروبارية
+ أيها الأب غريغوريوس، لقد نلت لقبَك بتقويماتك، لتيقُّظك في الصلوات ومواعيظك على صنع العجائب، فتشفَّع إلى المسيح الإله أن ينير نفوسنا، لئلا ننام في الخطايا إلى الموت.