القدّيس البار مكاريوس العجائبيّ الروسيّ
من إحدى عائلات النبلاء في تفير، مال منذ الصغر إلى الحياة الرهبانيّة لكن أهله قاوموه وأرغموه على الزواج. اتفق مع زوجته أنّه إذا مات أحدهما امتنع الآخر عن الزواج وينصرف إلى الحياة الرهبانيّة. فمباشرة بعد وفاة زوجته ووالديه وزّع ثروته على الفقراء وترهّب في دير كلوبوكوفو واتخذ اسم مكاريوس.
كان مطيعًا للجميع متواضعًا، وبعد سنوات حصل على بركة رئيسه ليتنسّك وهناك تحلّق حوله عدد من التلاميذ فاستحال معتزله ديرًا. استبدت الغيرة بمالك الأراضي المجاورة للدير واسمه كولياغ فلاحق القدّيس بإزعاجات متواصلة حتّى صمّم أن يصفيه إن لم يبلغ منه المأرب، وعندما أصيب بمرض طلب من القدّيس المسامحة، ولمّا استرد عافيته سلك بأمانة لافتة، كما وهب للقدّيس أراضيه.
عاش القدّيس مكاريوس إلى الحادية والثمانين من عمره لم يشأ التخفيف من أسهاره وصلواته رغم المرض الذي أصابه. وإذ أشرف على النهاية دعا تلاميذه وباركهم وأسلم روحه
القدّيس البار ألكسيوس رجل الله
وُلد القديس ألكسيوس في روما في أواخر القرن الرابع الميلادي (380م) من أبوين تقيين مقربين من البلاط الأمبرطوري. كان ابوه أفيميوس من أشراف رومة ومن أبرز أعضاء مجلس الشيوخ فيها وأمه أغليا من سلالة الملوك الرومانيين، كانت التقوى المسيحية تزين بيتهم الذي كان ملجأ للفقير واليتيم وملاذاً لكل مظلوم. وقد رُزقا بابنهما بعد أيام طويلة من العقر فأحسنا تربيته.
فنبغ في العلوم والفصاحة والفلسفة، وكانت نفسه تصبو إلى الكمال فعكف على طلب الفضيلة وترويض نفسه على التقوى، وقد ظهر له القديس بولس في رؤيا وقال له ان يستجيب لأمر الرب مهما كلَّفه ذلك قارئاً له الآية: ((من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني)).
فلما صار شاباً، أراد أبواه أن يُزوِّجاه مبكراً فمانع ولكنهما شدَّدا عليه واختاروا له عروساً وحدّدوا حفل الزفاف بحسب عوائد ذلك الزمان، فسلّم امره إلى الله. لكن وفي ليلة عرسه وقد ملأه الشوق لحياة النسك والتوحد، انفرد بعروسه وقدّم لها هدية ثمينة وقال لها : “حافظي على هديتي هذه، وليكن الله بينك وبيني حتى تكمل إرادته “، وعند انتهاء مراسيم العرس، ترك عروسه وأهله وأصدقاءه خرجَ على متن إحدى السفن مسّلماً أمره للعناية الإلهية. فبلغ مدينة اللاذقية (حيث عاش فيها ردحاً من الزمن، ومكث في مغارة بجانب المرفأ القديم وهي معروفة لللاذقيين بـ “عين السنتِلِكس” لأن عين ماءٍ تفجّرت فيها بقدرة عجائبية. وكان الناس يقصدونها للتبرّك. وقد ظّلت قائمة حتى نهاية السبعينات ثم أُهملت…) ومِنْ ثم إلى الرها بقي عند باب كنيسة مكرّسة لوالدة الإله مدة سبعة عشر عاماً كانت ثيابه فقيرة وممزّقة. حيث وزع كل ما كان يملكه على الفقراء وجلس على باب كنيسة السيدة العذراء يستعطي ليعيش وكان يقضي أيامه في العبادة والصوم والصلاة وقهر النفس
في تلك الأثناء أرسل والداه خدّاماً للبحث عنه في كل البلاد ومنهم من اتى إلى مدينة الرها ودخل كنيسة العذراء فلم يعرفوه لِما كان عليه من الفقر والمسكنة، بعدما قسى عليه النسك وسوء المعاملة التي كابدها بصبر عجيب حباً بالله، وذلك الوجه الذ ي أنحلته الأصوام ولكن الكسيوس عرفهم وطلب منهم صدقة فأعطوه ففرح بذلك لأن عبيده قد أحسنوا إليه، اما هو فقد بقي ملازماً الكنيسة فاعتنى بأمره وكيل الكنيسة وأسكنه في الدير.
يوماً ما تراءت والدة الإله لخادم الكنيسة وطلبت منه أن يكرم “رجل الله ” بما يليق به. فلما أدرك ألكسيوس أنّ أمره انفضح وبات، من الآن فصاعداً، عرضه لإجلال وتوقير الناس، قام وعاد إلى اللاذقية ومنها انطلق على ظهر إحدى السفن إلى طرسوس (مدينة بولس الرسول ). غير أن الأهوية أتت، بتدبير من الله، مخالفة لقصد الربان، فاندفعت السفينة باتجاه روما.
فتاكد إن ما حدث هو من تدبير الله فعاهده أن يعيش متنكراً على أبواب والديه فدخل روما فقيراً واتى قصر والديه فتحركت عواطفه واضطرب قلبه لكنه تذكر نذوره للرب والام المسيح وفقره وذلّه فتجلد وصبر، ثم رأى والده خارجاً من القصر وقد تجعد وجهه وارتسم عليه الحزن والأسى فتجلد وطلب منه صدقة فأعطاه وتابع سيره ولم يعرفه وكذلك رأى امه وعروسه تخرجان فمد يده وطلب منهما صدقة فأحسنتا إليه ولم تعرفاه أيضاً ولبث على باب الحديقة ينظر إلى احبّ الناس إليه في دنياه ويصبر على كتمان سره، وفي أحد الأيام تقدم إلى ابيه طالباً منه ان يسمح له بماوى في إحدى زوايا القصر ليقضي هناك بقية ايامه. وقال له -القديس لأبيه-: “إنّ الرب يعوّض عليك وينظر إليك، وإذا كان لك في بلاد الغربة من تحنُّ إليه فهو يردّه إليك”. فأّثر كلام ألكسيوس في قلب أبيه، وذكر ابنه البعيد، فمنحه مسكناً تحت درج يأوي إليه فعاش هناك مثابراً على ما كان عليه من نسك وأصوام وعبادات وتواضع وسهر وصلوات فاستثقله عبيد ابيه وجعلوا يهزؤون به ويذيقونه مُرّ الاهانات وبقي رجل الله عند باب منزل والديه سبعة عشر عاماً يكابد سوء معاملة الخدام وسخريتهم دون تذمّر بل بفرح لأنه كان قد بلغ من حب الله مبلغاً عظيماً.
ولما تكملّ بالقداسة اوحى الله إليه ان أيامه قد دنت وامره ان يكتب سيرة حياته ليعرِّف أبويه به بعد وفاته فطلب ورقاً وحبراً وكتب سيرة حياته ثم اسلم الروح والريشة بعد في يد هسنة 440م.
أراد الله أن يُشرِّف عبده وخلال الاحتفال بالذبيحة الالهية يوم احد فسُمع صوتٌ في الكنيسة يقول “تعالوا اليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” فارتاع الحضور وسجدوا هاتفين “يا رب ارحم” ثم سمعوا الصوت ثانية يقول ((إِذهبوا وإبحثوا عن رجل الله فانه يصلّي لأجل مدينة رومة وسوف يستجيب الرب دعاءه وهو لا يلبث أن يموت يوم الجمعة القادم))، ذاع الخبر في رومة وأخذ الناس يتسألون من يكون هذا الرجل البار، ويبحثون عنه فلم يهتدوا إليه وأتى يوم الجمعة وفيما كان أسقف رومية يرأس الخدمة الإلهية في كنيسة القديس بطرس بحضور الإمبرطور وحشد من الناس، إذا بصوت يتردد في الهيكل معلناً: “ابحثوا عن رجل الله الذي صّلى لأجل المدينة ولأجلكم لأنه ها هو قد فارق الحياة!”. وإذ أخذ المؤمنون في الصلاة تردد الصوت من جديد أنّ رجل الله موجود في منزل أفيميوس (والد القد يس)، فركض هذا، والجمع، إلى بيته ليرى ما الأمر وإذا بعبيده يقولون له لقد مات هذا الصباح الفقير الغريب الذي آويته تحت الدرج ووجدنا في يده رقاً مطوياً لم نستطع أخذه منه وفي تلك الساعة وصل الأسقف فتقدم وصلى وطلب من الجثة أن تفتح يدها فانفتحت اليد وسلمته الرق فاخذه ودفعه إلى مسجل الكنيسة ليقرأ على الشعب، وما كاد يأتي على قراءة ما فيه حتى صرخ أفيميوس يا ولدي الكسيوس وانطرح عليه يقبله ويذرف الدموع السخيّة عليه وكذلك والدته وعروسه.
وفيما اختلط الأمر على والدي القديس حزناً وفرحاً أخذ الجميع يتدافع إلى حيث رقد القديس، فإذا بالعمي يستردون البصر والصمُ السمع والخرس النطق والمرضى يشفون من أمراضهم المتنوعة. وصارت جماهير الشعب كلها تبكي ثم حُمل بإكرام إلى الكنيسة. أثناء موكب الجنازة أخذت حاشية الأمبرطور تلقي الذهب في الهواء لتصرف الناس عن الجثمان الطهر فلم يأبه أحد لذلك. وقْعُ قداسة رجل الله في نفوسهم كان أشد بكثير من بريق الذهب في عيونهم.
ما نتعّلمه من حياة هذا القديس : أنّ الأيام تزول والدنيا تفنى.. وأن الأبدية هي المَسْعى والله هو الغنى الحقيقي الذي لا يُسَلبْ.
مغارة القديس ألكسيوس في اللاذقية:
عاش القديس ألكسيوس باللاذقية ردحاً من الزمن (قبل سنتان ) عند مجيئه من روما وعند موته من الرها، في مغارة بجانب المرفأ القديم وهي معروفة لللاذقيين ب “عين السنتكلس “، لأن عين ماء تفجرت فيها بقدرة عجائبية حيث كان يقصدها المسلمون والمسيحيون على السواء تبركاً واستشفاء.
المغارة المقدسة التي دعّمها الصليبيون بعقود حجرية منعاً لتداعيها، ظلت قائمة حتى نهاية السبعينات من القرن المنصرم عندما ردمتها شركة الخطوط الحديدية السورية بعد أن طالتها يد الإهمال والنسيان الدينية والدنيوية.
طروبارية
+ بك حُفظت الصورة باحتراس وثيق أيها الأب ألكسيوس،لأنك قد حملت الصليب فتبعت المسيح، وعملت وعلَّمت أن يُتغاضى عن الجسد لأنهُ يزول، ويُهتمَّ بأمور النفس غير المائتة. فلذلك أيها البار تبتهج روحك مع الملائكة.