القدّيس مكاريوس الصربيّ، أسقف فلاخيا
كان أميرًا صربيًّا، تنازل عن حقوقه الأميريّة وصار راهبًا في صربيا الوسطى، في مناسيا، طرده الأتراك فالتجأ إلى رومانيا. صار رئيس أساقفة على فلاخيا. ساس رعيته بحكمة الله ودرايته. مرض مرضًا صعبًا فصبر صبرًا كبيرًا.
رقد بسلام في الربّ سنة 1546م. رفاته لم تنحلّ وكانت مصدر بركة. ما تزال محفوظة إلى اليوم في دير أسّسه في كروسيدول الصربيّة في آخر أيّامه.
القديس أثناسيوس الكبير
كانت ولادته في حدود العام 295 م. نحيف البنية، قصير القامة. اعتاد ان يمشي بانحناءة بسيطة إلى الأمام ولكن برشاقة ولباقة كأنه أحد أمراء الكنيسة. كان قبطيا أكثر منه يونانيا.
علّم الكنيسة من المعلّمين المسيحيّين وأوساط المؤمنين والدوائر الأسقفية في الإسكندرية حيث يبدو أنه انضم حدثا إلى حاشية القدّيس ألكسندروس، أسقف المدينة.
كتب أثناسيوس وهو في أوائل العشرينات من عمره، مقالتين إحداهما ضدّ الوثنيّين والأخرى بشأن تجسّد كلمة الله. وقليلا قليلا بدأ أثناسيوس يلعب الدور الأبرز في الصراع ضد الهرطقة الأريوسيّة، واجههم بقوة ودون هوادة.
بعد انتشار الهرطقة دعا الملك قسطنطين عدد كبير من الأساقفة و الكهنة والشمامسة إلى إجتماع، وكان أثناسيوس الكبير رئيس شمامسة فرافق أسقف الإسكندرية ألكسندروس وتكلّم باسمه. عرض آريوس أفكاره، فتصدى له الفريق الأرثوذكسي، واثناسيوس كان الأبرز في الردّ على آراء آريوس والتصدّي لحججه وتبيان عطبها واقترح هوسيوس وضع دستور إيمان يكون أساسا للإيمان القويم. في ضوء تعاليم الآباء، جرى اعتماد نص يشكّل أساس دستور الإيمان النيقاوي القسطنطيني الذي نتلوه اليوم.
أرسى القدّيس أسس الفكر اللاهوتي القويم. ولا مجال للمساكنة أو المهادنة. الزغل في الآراء، في هذا الشأن، قضاء على الكنيسة. أثناسيوس وعى دقّة المسألة وخطورتها حتى العظم، فأتت حياته، في كل ما عانى على مدى ست وأربعين سنة، تعبيرا عن تمسّك لا يلين بكلمة حقّ الإنجيل والإيمان القويم.
بعد ثلاث سنوات رقد ألكسندروس فأختير أثناسيوس ليحلّ محلّه، جال على مدى سنوات في كل الأنحاء المصرية، حتى الحدود الحبشية، يسيم الأساقفة ويختلط بالمؤمنين الذين اعتبروه إلى النهاية أبا لهم. كما تفقّد الأديرة، حتى التي في برّية الصعيد. وأقام، لبعض الوقت، في دير القدّيس باخوميوس الذي كان يقدّر أثناسيوس كثيرا، وقد سمّاه، “أب الإيمان الأرثوذكسي بالمسيح”.
فيما كان أثناسيوس يتابع اهتمامه بشعبه كأسقف جديد عليهم، كان الآريوسيون يحيكون خيوط المؤامرة عليه.ونقلوا الصراع من المستوى اللاهوتي إلى المستوى السياسي، وإمعانا في تشويه صورة أثناسيوس أمام القيصر والعامة، وجّهوا إليه تهما عدّة بينها الزنى والسحر والقتل. فأتى به الملك قسطنطين إلى صور لمحاكمته، ووجهت إليه شتى التهّم. ظنّوا انهم قضوا عليه. وإزاء هذه الشهادات انحلّ عقد المجتمعين على أثناسيوس دون ان ينحل حقدهم. وتمكّن قديسنا من التواري قبل ان يصدروا في شأنه حكمهم الأخير. وبعد محاكمة ثانية للقديس، أبقى عليه الملك أسقفا للإسكندرية لكنه حكم بنفيه إلى “تريف” عاصمة بلاد الغال حيث بقي إلى ان رقد قسطنطين في أيار 337 م.
القديس كيرللس
ولد القديس كيرلس في مدينة الاسكندرية حوالى سنة 378. اخذ خاله رئيس اساقفة الاسكندرية ثيوفيلوس على عاتقه امر تربيته وتثقيفه. يرجّح العلماء ان كيرلس تعلم اولا في مدرسة الاسكندرية التي اسسها اوريجانس ثم في اثينا حيث درس الفلسفة.
بعد عودته من اثينا، ذهب كيرلس الى الصحراء حيث قضى مدة خمس سنوات في دراسة الكتاب المقدس واقوال الآباء، وبحسب التقليد فان كيرلس تتلمذ على يد القديس سيرابيون الكبير.
استدعاه ثيوفيلوس رئيس الاساقفة من الصحراء، فرسمه شماسا ثم كاهنا، وطلب اليه ان يساعده في خدمة الوعظ والرعاية. واصطحبه الى القسطنطينية لحضور مجمع البلوطة سنة 403 حيث حُكم بنفي القديس يوحنا الذهبي الفم ظلما، وكان كيرلس في الخامسة والعشرين من عمره. وظل كيرلس متمسكا بحكم هذا المجمع ضد القديس يوحنا حتى سنة 417 حيث قرر إعادة ذكر اسمه في قائمة الأساقفة الذين تُذكر اسماؤهم في القداس.
رقد ثيوفيلوس رئيس الاساقفة في 15 تشرين عام 412. وقد اتجهت الانظار الى شخصين: كيرلس ورئيس الشمامسة تيموثاوس الذي كانت تؤيده السلطات الحاكمة. الا انه تم انتخاب كيرلس رئيسا للاساقفة في 18 تشرين عام 412، وكان له من العمر حوالى خمسٍ وثلاثين. فحاول ان يقود الكنيسة بشدة وبحزم.
بعد ان ُنصّب نسطوريوس رئيسا لاساقفة القسطنطينية، نادى بوجود طبيعتين متميزتين في شخص المسيح، واعتبر انه لا يجوز ان ندعو مريم “والدة الإله”، لانها ولدت الناسوت، الذي كان فيه الكلمة الله، ويمكن فقط ان نسميها “والدة المسيح”.
وصلت هذه الاخبار الى مسامع كيرلس فبعث برسالة الى نسطوريوس في صيف 429، ورسالة ثانية في شباط 430 وهذه اصبحت مرجعا لاهوتيا مهما. وفي 3 تشرين الثاني عام 430 بعث برسالة ثالثة الى نسطوريوس شرح مفهومه لاتحاد الطبيعتين في المسيح، ولقب “والدة الاله”. ثم انهى رسالته باثني عشر حرما.
تمسك كيرلس في كتاباته بلقب “والدة الاله”، فبالنسبة اليه مُنح هذا اللقب لمريم بسبب اتحاد اللاهوت والناسوت في بطنها. فهي لم تكن مصدر اللاهوت، بل حملت الجنين الذي كان فيه اللاهوت. ويشرح ذلك بقوله: “ان الأم لا تلد الا الجسد والله يمنح الروح، ومع ذلك فإننا لا نقول بأن الأم لم تلد الا الجسد بل ولدت الانسان… لذلك ندعو مريم والدة الاله، لانها ولدت الكلمة المتجسد”.
انعقد مجمع مسكوني في افسس عام 431 ترأسه كيرلس، واصدر حكما بتجريد نسطوريوس من رتبته الاسقفية، واعتباره هرطوقيا. الا ان المسألة لم تنتهِ، فالوفد الانطاكي الذي قد وصل الى افسس بعد صدور الحكم عقد مجمعا منفصلا برئاسة يوحنا بطريرك انطاكية، وحرم بدوره كيرلس. الا ان الامبراطور ثيودوسيوس الثاني طلب من كيرلس ويوحنا ان يجتمعا لايجاد حل للمشكلة، وقد توصلا الى حل عام 433. واصدرا قانونا للإيمان، نورد بعض ما جاء فيه: “نعترف بأن يسوع المسيح ابن الله الوحيد، إله تام وانسان تام. ذو روح عاقلة وجسد، مولود من الآب قبل الدهور بحسب اللاهوت، وولد في الايام الاخيرة لاجلنا من العذراء مريم… نعترف بمسيح واحد وابن واحد وسيد واحد… ان هذا الاتحاد تم بدون اختلاط او امتزاج… ونعترف بأن القديسة العذراء هي والدة الإله، لان الله الكلمة اخذ منها جسدا وصار انسانا…”.
لكيرلس عدة كتابات منها العقائدية ومنها التفسيرية للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. لقد كان القديس كيرلس واحدا من الشهود العظماء، فدافع بكل قوة ومعرفة عن ايمانه بيسوع المسيح. فالكنيسة لقّبته ب “عمود الايمان، كوكب الرأي المستقيم…”. رقد بالرب في 9 حزيران عام 444. تعيد له الكنيسة المقدسة في 9 حزيران تذكار رقاده، وفي 18 كانون الثاني. .
الطروبارية
+ لقد تلألأتما بأفعال استقامة الرأي، وأخمدتما كلّ رأي وخيم، فصرتما منتصرين لابسيّ الظّفر، وإذ قد أغنيتما الكلّ بحسن العبادة، وزيّتنما الكنيسة بزينة عظيمة، وجدتما باستحقاق المسيح الإله مانحاً الجميع بصلواتكما الرحمة العظمى.