القدّيسة دمنة
إحدى الذين قضوا في الهجمة عينها على مسيحيي نيقوميذية. كانت كاهنة هيكل الآلهة الإثني عشر في القصر الأميري في المدينة. وقع في يدها كتاب أعمال الرسل ورسائل بولس فأحدثت قراءتها في نفسها إنقلابًا، فقصدت الأسقف كيرللس وسألته العماد، فتمّ لها ذلك، على أثر ذلك وزّعت مقتنياتها حسنات على المحتاجين، ولازمت الصلاة والنظر في الكتب المقدّسة ليل ونهار غير مبالين بطعام أو شراب أو ملبس. لمّا انتهى خبرها إلى أمير نيقوميذية، أرسل جنوده فاقتحموا المنزل الذي كانا فيه فلم يجدا غير حصيرتين وصليب وكتاب أعمال الرسل ومبخرة وسراج وصندوق صغير للذخيرة، فقبضوا عليها وألقوها في سجن مظلم.
لم يمض وقت طويل حتّى تمكّنت القدّيسة دُمنة الخروج من السجن بعدما أدّعت الجنون. خشي عليها الأمير أن تموت وهي كاهنة مشهورة للأوثان. فلما جاء المبرطور مكسيميانوس وسأل عنها على اعتبارها كاهنة الهيكل ولم يجدها أرسل في طلبها لكنّها هربت إلى الجبل وبعد ذلك أسلمت نفسها للجنود فحُكِمَ عليها بقطع رأسها وإحراق بقاياها.
شهداء نيقوميذية الذين أحرقوا أحياء
لما عاد الأمبراطور الروماني مكسيميانوس غاليريوس مظفرا من حربه ضد الأحباش، رغب، على حسب العادة المألوفة، في أن يقدّم الناس، في كل مكان من الأمبراطورية، ذبائح للآلهة التي نصرته على أعدائه. وإذ وصل إلى مدينة نيقوميذية، العاصمة الشرقية للأمبراطورية، أصدر أمرا بأن يبادر جميع من فيها إلى تقديم فروض العبادة للأوثان، وكل من يتخلّف يعرّض نفسه للملاحقة والموت.
كان الأمبراطور يعلم جيدا أن في المدينة عددا غير قليل من المسيحيين. وقد ظنّ أن ولاءه للآلهة وشكره لها يحتّمان عليه ضربهم. لذلك عمد إلى تشديد قبضته عليهم. ومن الإجراءات التي اتخذها، في هذا الشأن، أنه بادر إلى تصفية القصر والإرادات العامة من كل من أنتهى إليه أنه مسيحي وبطش بذوي الرفعة منهم ونشر جنوده في الأحياء العامة والأزقة ليخرجوا المسيحيين من مخابئهم ويفتكوا بهم. وقد سال دم شهداء المسيح، من جديد، نتيجة ذلك، وأخذت الحال تسوء يوما بعد يوم.
استمر الوضع مترديا، على هذا النحو، إلى أن قرب عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح بالجسد. يومها جاء إلى الأمبراطور وشاة أسروّا إليه أن أنثيموس الأسقف، زعيم المسيحيين، قد جمع الناس في الكنيسة وهم بأعداد وافرة.فأسرع جنوده وأحاطوا بالمكان، ثم جمعوا كميّات من الحطب والأغصان اليابسة وزنّروا بها الموضع، وجعلوا عند المدخل مذبحا متنقلا للأوثان. وإذ اكتملت استعدادات العسكر نادوا من في الداخل ان من أراد منهم النجاة فليخرج خارجا ويضحّ للأوثان. فهبّ أغابيوس الشماس في المسيحيين المجتمعين في الداخل، وهم يصلّون، وذكّرهم بالفتية الثلاثة القدّيسين. هؤلاء لما ألقوا في أتون النار، في بابل، لتمسكّهم بإلههم، دعوا الخليقة كلها إلى تمجيد الله، فنزل الكلمة الخالق إليهم، في هيئة جسمانية، معينا مشدّدا وشملهم بالندى والنسيم العليل. ثم قال لهم أن ساعة الإقتداء بهؤلاء الفتية قد حانت لنا، فلا نخشين الميتة العابرة حبا بالله لأننا إن بذلنا له أنفسنا سدنا معه إلى الأبد. ويبدو ان كلام الشماس ثبّت المؤمنين، لا سيما وقد كانوا مهيّئين بالنفس والروح لمثل هذه المواجهة وقوى الشر الكونية. لذلك أجاب المجتمعون عمال مكسيميانوس بصوت متّفق :”نحن نؤمن بالمسيح يسوع وله نسلم أمرنا!”.
وتحرّك الجنود بسرعة. أخذوا يضرمون النار في أكوام الحطب والأغصان فيما جرى استكمال معمودية الموعوظين في الداخل، وأقيمت الذبيحة الإلهية. إزاء هذا المشهد المريع بقي المؤمنون متشدّدين بنعمة الله متماسكين. وإذ بدأ الدخان يتسرّب إليهم والنار تشقّ طريقها إلى داخل المبنى، أخذت أصوات المؤمنين ترتفع مردّدة أنشودة الفتية الثلاثة القدّيسين :” باركوا الرب يا جميع أعمال الرب ! سبّحوه وارفعوه إلى الأبد !” ثم أخذ أحبة الله يتساقطون الواحد تلو الأخر أختناقا إلى أن قضوا جميعهم. وقد بقيت النار مشتعلة في المكان خمسة ايام ولما أنطفات، أخيرا، انبعثت من الموضع رائحة طيب كانت أقوى من رائحة الحريق. وقد قيل ان عدد الذين قضوا في المحرقة كان كبيرا.
أما القدّيس أنثيموس فذكر أنه نجا بأعجوبة، وظنّ أخرون أنه لم يكن موجودا في الكنيسة وقت حدوث المحرقة. مهما يكن من أمر فإنه لجأ إلى قرية في الجبال اسمها أومانا أخذ منها يرعى شعبه إلى ان ألقي القبض عليه وأعدم بقطع الرأس.
الشهداء الذين قضوا في نيقوميذية خارج المحرقة. قضى هؤلاء من أجل المسيح بميتات مختلفة. القدّيسون إنديس الخصي وبطرس وغرغونيوس شدّت أعناقهم إلى حجارة ثقيلة وألقوا في البحر. القدّيس زينون دنا من الوثنيين، وهم في نشوة الأنتصار على المسيحيين في الكنيسة، مقبحا فعلهم وعماهم، فأشار الأمبراطور إلى جنوده بالقبض عليه، فأمسكوه وحطّموا أسنانه وفكّيه بالضرب بالحجارة، ثم أخرجوه خارج المدينة وقطعوا هامته. أما دوروثيوس ومردونيوس وميجدونيوس فكانوا من الأعيان ولهم وظائف هامة في القصر. هؤلاء رموا أسيرتهم وشاراتهم بازدراء أمام الملك معترفين بكونهم خدّاما للمعلم الأحد سيّد المسكونة. وقد ضربوا بلا شفقة حتى المساء، فلم يتذمّروا ولا اشتكوا، فجرى إعدامهم بعد أيام من الحريق :دوروثيوس بقطع الرأس، ومردونيوس بالحرق حيا وميجدونيوس طمرا. الشهيد في الكهنة غليكاريوس قال للظالمين : ما توقعونه بنا من عذابات، مهما اشتدت، يحمل إلينا الفرح السرمدي، فأنهال عليه الجلاّدون ضربا حتى أعيوا. ثم أحرقوه حيا خارج المدينة. أما القدّيس ثيوفيلوس الشمّاس فرجم بعدما قطع لسانه.
القدّيس البار سمعان المفيض الطيب مؤسس دير سيمونوس بتراس في جبل آثوس
عاش القدّيس في القرن الثالث عشر. ترك حياته في العالم وانتقل إلى الجبل المقدّس آثوس، طلبًا لخلاص نفسه. انضم إلى أب شيخ كان متمرّسًا بالنسك صارمًا متطلّبًا فخضع له بالتمام والكمال كما لله نفسه. أبدى من الطاعة والتواضع والمحبّة والصبر ما رفعه إلى درجة عالية من الفضيلة. بات محطّ إعجاب رهبان آثوس واخترام الشيخ أبيه حتّى كفّ الشيخ عن اعتباره تلميذًا له وصار يعامله كرفيق في الجهاد. لم تحلّ هذا الكرامات له فاستأذن الشيخ وخرج ليعيش وحيدًا. بعدما بخث طويلاً عن مكان يناسبه اهتدى إلى مغارة ضيقة رطبة على المنحدر الغربيّ من آثوس، على علو 300 متر عن البحرن فأقام هناك، ليل نهار، عرضة لهجمات الشيطان المتواصلة لس له ما يدافع به عن نفسه غير الإيمان والرجاء بالله ودعاء الإسم الحسن لربذنا يسوع المسيح.
وحدث له ذات ليلة، قبل أيام من عيد ميلاد ربذنا يسوع المسيح، أن رأى نجمصا يهبط من السماء ليستقر فوق صخرة مقابل المغارة التي كان مقيمًا فيها، وإذ خشي أن يكون ذلك فخًامن فخاخ أبليس الخبيث الذي كثيرًا ما يظهر بمظهر ملاك من نور، لم يولِ المنظر اهتمامًا بل انصرف عنه إلى صلاته وسجداته. لكن المنظر تكرّر على سمعان بضع ليال متتالية، وما أن حلّت ليلة الميلاد حتذى انحدر النجم فوق الصخرة كما لو كان نجم بيت لحم وصرخ صوت من السماء، كان صوت والدة الإله، يقول: “لا تخف يا سمعان، الخادم الأمين لإبني! انظر هذه العلامة ولا تغادر المكان فتجد لنفسك خلوة أكبر كما تشتهي لأنّي أريدك هنا أن تنشىء ديرًا لخلاص كثيرين”. فلما سمع سمعان صوت والدة الإله اطمأن قلبه وغمرته النشوة فألفى نفسه محمولاً إلى بيت لحم، أفي الجسد أم خارج الجسد؟ الله يعلم. وقف مذهولاً أمام الطفل يسوع مع الملائكة والرعاة! وإذ عاد إلى نفسه باشر للحال ما دعته والدة الإله إليه.
وما هي إلا فترة قصيرة حتّى جاء إلى سمعان ثلاة أخوة من عائلة تسالونيكيّة غنية، سمعوا عنه وعن فضيلته، فألقوا بغناهم عند رجليه، على نحو ما فعل المجوس قديمًا أمام طفل المغارة، وسألوه أن يقبلهم تلاميذ له وجيء ببنّائين، فلما عاينوا الموضع ولاحظوا وعورته وخطورة العمل به امتنعوا واتهمّوا القدّيس بالجنون، في تلك الساعة جاء أحد الأخوة الثلاثة ليقدّم للبنّائين النبيذ ضيافة، وكان الموضع الذي جلسوا فيه مشرفًا على هوّة، فزلقت رجل الأخ وسقط من علو، فظنّوه قد مات وتيّقنوا من أن ما قالوه عن استحالة العمل في المكان صحيحًا. فجأة وبفعل صلاة قدّيس الله رأوا الراهب يصعد من الهوّة سالمًا معافى وإبريق الخمر في يده والكأس في اليد الأخرى ممتلئة وكأنّه على وشك تقديمها لهم. إذ ذاك تعجّبواومجّدوا الله وترهّبوا. ولمّا بدأوا بالعمل تعرّضوا لحوادث عدّة، لكن بنعمة الله، لم يصبهم أي أذى.
واكتمل البناء وأخذت أعداد من طلاب الرهبنة تنضمّ إليه. عاش القدّيس سنين طويلة أنعم الله خلالها عليه مواهب جمّة كصنع العجائب والنبؤة والتعليم، ولمّا خضرته ساعة مفارقته، جمع تلاميذه وزوّدهم بإرشادته ثم رقد بسلام.
الطروبارية
+ ميلادك أيّها المسيح إلهنا قد أطلع نور المعرفة في العالم، لأنّ الساجدين للكواكب، به تعلّموا من الكوكب السجود لك يا شمس العدل، وأنّ يعرفوا أنّك من مشارق العلو أتيت، يا ربّ المجد لك
+ مغبوطةٌ الأرض المخصبة بدمائكم يا مجاهدي الرَّب، ومقدَّسةٌ المظال المتقبِّلة أرواحكم، لأنكم في الميدان قهرتم العدوّ، وكرزتم بالمسيح بدالة، فنتضرَّع إليكم أن تبتهلوا إليه بما أنه صالح ليخلِّص نفوسنا.