القدّيس البار أفرام السّوريّ
اسمه معناه “الخصب”، ولد في نصيبين على ضفة نهر الدجلة، لعائلة فقيرة ، قيل أن والده كان كاهنا وثنيا، فلما مال الصبي إلى المسيحية طرده أبوه فلجأ إلى يعقوب، أسقف نصيبين، الذي أنشأه على محبّة الفضيلة والتأمل في الكتاب المقدس.
حدث له، بتدبير الله، ما فتح عيني قلبه على طرق القداسة وخدمة القريب. ألقي يوما في السجن بعد اتهامه بسرقة قطيع أضاعه الأجير المكلفّ به، وبدأ يرجو الله بدموع ان يعفو عنه واعداً إياه بإصلاح سيرته، زهد وخرج في القفار وأضحى للتائبين معلما. وله تنسب صلاة التوبة التي طالما رددّها المؤمنون في الكنيسة على مدى الأيام.
عاش أفرام في نصيبين سنين عديدة، وتعرضت نصيبين لهجوم الفرس ومحاصرتهم لها فحافظ أفرام ويعقوب الأسقف بصلاتهما، على المدينة. وإثر معاهدة سلام أبرمت بين الفرس والبيزنطيين، قضت بتسليم المدينة، انتقل أفرام إلى الرها، وأقام فيها إلى آخر حياته، وجعل أفرام في نفسه أمرين : أن يسجد لرفات القدّيسين فيها وان يتلقى إنسانا ينتفع من كلامه وإرشاده. وذكر ان أفرام تردّد، في الرها، وأسّس ديراً بجوار الرها وجعل فيه مدرسة لاهوتية وكان قد حباه ربّه بموهبة التعليم فأضحى واعظاً ومعلماً ممتازاً. شرح بدقّة الكتاب كلّه من سفر التكوين إلى آخر سفر فيه.
سيم أفرام شماسا وعرف بشماس كنيسة الرها. وورد أنه سيم كاهنا في أواخر حياته. كما ورد أنّه اختير للأسقفية فارتاع، ولفرط تواضعه تظاهر بالجنون وأخذ يركض ويصيح ويأكل في الشارع فتركوه وأختاروا سواه.
اتصف القدّيس أفرام بفضيلة محبّة القريب فأخذ على عاتقه مهمّة توزيع القمح على الفقراء في الرها لما حلّت بها المجاعة، وحث الأغنياء على فتح خزائنهم لإعانة المعوزين. وفي رأي النيصصي ان المحبة، التي هي أعظم الفضائل، قد اكتسبها المغبوط أكثر من أي شخص آخر. وضع القدّيس أفرام مقالات ضدّ الهرطقات وترك اناشيد عن الفردوس والبتولية والإيمان والأسرار الكبرى للمخلّص وأعياد السنة. ويلاحظ ارتباط تعاليمه الروحية الوثيق بالكتاب المقدّس الذي كان يورد آياته بتصرّف وغزارة ويسر في سياق كلامه.
اعترف القدّيس بكونه رجلا خاطئا بطالا وطلب من الحاضرين ألا يجعلوا رماده الآثم تحت المذبح ولا يأخذ احد شيئا من أسماله للبركة ولا يعامله أحد بكرامة لأنه كان خاطئا وآخر الجميع. كل المدينة اجتمعت عند بابه. الكل بكى وسعى للدنو منه ليسمع ولو نصيحة أخيرة من فمه. ثم توقّف أفرام عن الكلام واستمر بصلاته بصمت إلى أن أسلم الروح. وقد حفظت مدينة الرها ذكره وأخذت تعيّد له بعد موته مباشرة.
القدّيس البار إسحق السّوريّ
ورد في السنكسارات السلافية ولم يرد في السنكسارات اليونانية. ربما كان السبب الظن في أنه كان نسطوري الإنتماء. من أعظم وأعمق من كتب النسكيات. كتاباته خالية تماماً من أي أثر نسطوري. له في التراث الروحي الأرثوذكسي أثر لا يمّحي. أجيال من الرهبان عاشت مقالاته، وكذلك من غير الرهبان. معلوماتنا عن سيرته محدودة. له في السّوريّة سيرتان مقتضبتان. يبدو أنه ولد في منطقة قطر على الخليج الفارسي. كانت قطر في زمانه، أي في القرن السابع الميلادي، مركزاً مسيحياً مهماً، وقد أعطت الكنيسة عدداً من الكتبة البارزين. ترهّب إسحق وصار معلّماً في وطنه، أوّل الأمر، ولعله انتقل بعد ذلك إلى جبال خوزستان إثر انشقاق حدث بين بطريركية سلفكية-ستيزيفون وأساقفة قطر. ولا بدّ أن يكون قد عاد إلى قطر بعدما سُوِّي الأمر وزار الكاثوليكوس جاورجيس المنطقة، سنة 676 م. أخذه الكاثوليكوس معه وجعله أسقفاً على نينوى (الموصل) في بلاد ما بين النهرين. تخلى عن الأسقفية واعتزل بعد خمسة أشهر. السبب، حسب أحد المصادر، لا يعلمه إلا الله. مصدر آخر أورد أن رجلين اقتضيا عنده، دائن ومديون، الدائن طلب ماله والمديون مهلة، فلما أشار اسحق إلى الكتاب المقدّس وسأل الدائن الصبر على أخيه، انفعل صاحب المال وردّ قائلاً:”ضع الكتاب المقدّس بيني وبينهم فما لي وإيّاهم؟! فقام إلى الكاثوليكوس والتمس إعفاءه من الأسقفية فأعفاه. بعد ذلك، يبدو أنه اعتزل في جبال خوزستان بجوار نسّاك آخرين. ثم لما تقدّم في أيامه انتقل إلى دير مجاور هو دير ربّان شابور. ليس تاريخ وفاته معروفاً. أحد المصادر يذكر أنه أصيب بالعمى في سنواته الأخيرة. يظنّ الدارسون أن كتاباته وضعها في شيخوخته. ربما كان ذلك في العقد الأخير من القرن السابع الميلادي. إحدى سيرتيه تذكر أنه ترك للرهبان خمسة مجلّدات إرشادية. هذا معناه أن أكثر ما ترك ضاع. مقالاته المتبقية تقع في قسمين جُمعا بعد موته. نسخها رهبان سريان وتناقلوها. نقل شقاً منها إلى اليونانية، في القرن الثامن أو التاسع، رهبان من رهبان دير القديس سابا في فلسطين. تضمّن هذا الشقّ في السّوريّة اثنين وثمانين مقالة. الشق الثاني جرى الكشف عنه في هذا القرن وهو يتضمّن أربعين مقالة إضافية، أبرزها أربع مئويات حول المعرفة. ينسب إليه أيضاً كتاب يعرف بـ”كتاب النعمة” وهو عبارة عن سبع مئويات، لكن نسبته مشكوك فيها.
من أقوله
سُئل القديس اسحق ما هي التوبة؟ فأجاب: هي القلب المنسحق المتواضع وإماتة الذات إرادياً عن الأشياء الداخلية والخارجية. ومن هو رحيم القلب؟ فأجاب: هو الذي يحترق من أجل الخليقة كلها: الناس والطيور والحيوانات والشياطين وكل مخلوق، الذي تنسكب الدموع من عينيه عند تذكّرها أو مشاهدتها. هو من ينقبض قلبه ويشفق عند سماع أو مشاهدة أي شرّ أو حزن يصيب الخليقة مهما كان صغيراً، لذلك فهو يقدّم صلاته كل ساعة مصحوبة بالدموع من أجل الحيوانات وأعداء الحقيقة وحتى من أجل الذين يؤذونه كي يحفظهم الله ويغفر لهم، ويصلّي أيضاً من أجل الزحّافات. إن قلبه يَفيض بالرحمة فيوزعها على الكل دون قياس كما يفعل الله.
وسُئل أيضاً: كيف يقتني الإنسان التواضع؟ فأجاب: بتذكّر خطاياه على الدوام وترقّب الموت واختيار المكان الأخير وقبوله أن يكون مجهولاً والا يفكّر في شيء دنيوي…
وسئل أيضاً: ما هي الصلاة؟ فأجاب: إنها إفراغ الذهن من كل ما هو دنيوي واشتياق القلب للخيرات الآتية (المقالة 81).
الطروبارية
+ أغنيتَ نفسكَ بالروح المحيي، وللتخشُّعِ صرتَ مقياساً، بمجاري الدَّمع غير الهيوليَّة. مِنْ ثمَّ صار إرشادكَ السامي، يدرِّبنا على كمال الأخلاق. فيا أفرام البار، تشفَّع بنا إلى المسيح، أن يمنحَ الجميع الرحمة العظمى.
+ أيُّها الأبُ المُحَكَّمُ من الله، لمَّا استنرتَ بأشِّعَةِ الفضائل، ظهرتَ بسيرتِكَ في المسيحِ كوكبًا ساطِعًا بالرُّوح. فأنتَ تُرْشِدُ حقيقة بتعاليمِكَ المُلْهَمَةِ من الله، إلى طريقِ الخلاص، الَّذينَ يمدحونَكَ أيُّها الأب، كخادِمٍ شريفٍ للمسيح.