في الثامن من هذا الشهر انتقل إلى رحمة الله تعالى المتقدم في الكهنة قدس الأب ميشيل عجرم كاهن رعية مسقط.
وفي العاشر منه وفي كنيسة مار نقولا – بيروت عند الواحدة والنصف ظهراً وبحضور حشد كبير من المؤمنين صليّ على راحة نفسه بترأس ميتروبوليت بيروت المطران الياس عودة وحضور الميتروبوليت أفرام ( طرابلس ) والميتروبوليت غطاس (بغداد والكويت ) مع لفيف من الإكليروس. وقد أبَّن الراقد بالرب راعي أبرشية بغداد والكويت وتوابعهما الميتروبوليت غطاس بكلمة أبرز فيها معنى الكهنوت ومناقب الأب ميشيل شاكراً حضور أصحاب السيادة وتعزيتهم.
نص الكلمة:
بداية أتوجّهُ بالشكرِ إلى سيادةِ راعي الأبرشيةِ ملاكِ بيروت، سيّدِنا الياس، الذي شدّد تعزيتَنا وعزيمتَنا بحضورِهِ، أيضاً ملاك أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما سيدنا أفرام، كما أنقلُ إلى العائلةِ الكريمةِ تعزيةَ كهنةِ أبرشيةِ بغدادَ والكويتِ وتوابعِهِما ومؤمنِيها، وعلى الأخصّ كاهنِ ومجلسِ رعيةِ مسقط ومؤمنيها.
” تشتاقُ نفسي إلى ديارِ الربّ كاشتياقِ الأيّلِ إلى ينابيعِ المياه ”
هذا جوابٌ عن السؤال: لماذا يصبحُ الإنسانُ كاهناً؟ الموضوع يَكْمُنُ في الشوق. ماذا تَنْشُدُ، وأين هو قلبُك؟ الكاهنُ هو ذاك الإنسانُ الذي لم تَشُدَّهُ إغراءاتُ هذا العالم، ولم تأسرْ قلبَه. الكاهنُ هو ذاك الذي شدَّهُ عِشْقُ الرّبِّ فاشتاقَ إلى ينابيعِهِ التي تحدّثَ عنها السيّد، والتي تحوي ماءً لا يَنضُب، إنّهُ من نَشَدَ السُّكْنى في بيتِ الرّبِّ حيثُ تَلَمُّسُ الملكوت، لا بل إطلالاتُه في الأرض. إنّهُ السُّكْنى مع السيّدِ المشتهى والمنشود، وهل من جمالٍ على هذا الجمال، وحلاوةٍ على هذه الحلاوة.
أيُّها الأحبّاء، لا نزالُ في عيدِ الظهورِ الإلهيّ: الغطاس، الذي فيه نذكرُ أنّنا اخترنا الموتَ لنحيا بالسيّدِ من خلال المعموديّة، إذ بمعموديتِكَ أنتَ قهرتَ الموتَ إن بَقِيْتَ في النور ونَمَوْتَ به.
الأبُ ميشيل، وكعادتِهِ، عايدَني بعيدِ الغطاس، ولم أتصوّرْ أنَّها المعايدةُ الأخيرة. فأبونا ميشيل اعتادَ مقارعةَ الصِّعابِ، ومنها: مَرَضُهُ، ومرضُ ابنتِهِ، الذي عدَّهُ نِعمةً. لم يكنْ ذاك الإنسانَ السَّهلَ اليأْسِ، لأنَّهُ تسلَّحَ بالإيمانِ فَشَقَّ الأُفُقَ ليعملَ في السعوديةِ، وثُمَّ في عُمان، التي قضى فيها سني حياتِهِ مكافحاً بِجِدٍّ ونشاطٍ.
بدأ رحلتَهُ الكنسيّةَ عندما التقى المثلثَ الرحمةِ المطرانَ قسطنطين، فرافَقَهُ في كلِّ زياراتِهِ إلى مسقط، وكان عضداً للآباءِ الذين خَدَمُوا في الرعيّةِ. سعى جاهداً في تأسيسِ الرعيّةِ في مسقط، فساهمَ وبسخاءٍ بدءاً من تسخير معملِهِ بتوفيرِ غرفةٍ وصالةٍ صغيرةٍ حُوِّلتْ إلى كنيسةٍ تمارَسُ فيها الخدمُ الكنسيّةُ اليوميّة، كي يوفّرَ على الرعية الآجارات. لفتتْ غيرتُهُ الكنسيةُ ومحبتُهُ للربِّ المطرانَ قسطنطين، فقرّرَ جعلَهُ كاهناً، وكان ذلك بتاريخ 2012/01/04 وقد شاءتِ الصدفُ أن يختارَهُ الربُّ في الخامسِ من الشهر نفسِه إلى جواره.
بدأ مشوارُهُ في خدمةِ مذبحِ الربِّ ورعيتِهِ، مواجهاً الصعوباتِ الرعائيةَ بطولِ أناةٍ وفي نُصْبِ عينِهِ أن يحصلَ على أرضٍ من الدولة لتُبنى عليها كنيسة، وقد باركَ اللهُ جهودَهُ وحقّقَ له هذا في العام 2014.
أبونا ميشيل لم يأتِ إلى الكهنوت عن عَوَزٍ أو مصلحة، قضى كهنوتَهُ من دونِ مُقابل، لا بل كان يدفعُ من جيبه. فحمل صيتاً حسناً عند الدولةِ والمؤمنين من كلِّ الطوائف، لقد تمثّلَ اسمَهُ ليكونَ كالملاكِ ميخائيل في خدمةِ الربِّ بوداعةٍ وتواضع، ولم يكابرْ عندما ضَعُفَتْ قواهُ من طَلَبِ كاهنٍ آخرَ ليُساعدَهُ ويتسلَّمَ الرعيّةَ من بعدِه، لم يكنْ هَمُّهُ ذاتَهُ إنّما الرعيّة.
لا أنسى كم امتدَحَهُ وزيرُ الأوقافِ في عُمان ومعاونيه مشِيدينَ بمحبتِهِ وخدمتِهِ وغيرتِهِ، أيضاً الطوائفُ الشقيقةُ التي اتصلتْ معزّيةً ومعدِّدَةً مناقبَ أبينا وخدماتِهِ لها.
بهذا الذكر الذي تركَهُ أبونا، سوف يواجِهُ وجهَ ربِّهِ، عساهُ يسمعُ صوتَهُ القائل: “كنتَ أميناً على القليل، سأجعلُكَ على الكثير، ادخلْ إلى فرحِ رَبِّك”.
أبونا ميشيل: ليَكُنْ ذِكْرُكَ مُؤَبَّداً.
بيروت2018/01/10.