بغداد 06 – 08/ 9 / 2019 (الأحد قبل عيد رفع الصليب الكريم المحيي – ميلاد السيدة)
ببركة راعي الأبرشية المطران غطاس الجزيل الاحترام،
أقام الايكونوموس يونان الفريد صلاة السحرية والقداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس وفي كنيسة الرسول انداروس واحتفل الجميع بعيد ميلاد سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم.
الرسالة: فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية (غلا 6: 11-18 (للأحد))
يا إخوة، انظروا ما أعظمَ الكتاباتِ التي كتبتُها إليكمْ بيدي* إنّ كلَّ الذين يريدون أنْ يُرضُوا بحسبِ الجسدِ يُلزمونَكم أنْ تختتِنوا وإنما ذلكَ لئلا يُضطَهدوا من أجل صليب المسيح* لأن الذين يختتنون هم أنفسهم لا يحفظون الناموس بل إنما يريدون أن تختتنوا ليفتخروا بأجسادكم* أما أنا فحاشى لي أن أفتخرَ إلا بصليبِ ربنا يسوعَ المسيح الذي بهِ صُلِبَ العالمُ لي وأنا صُلِبتُ للعالم* لأنَّه في المسيحِ يسوعَ ليسَ الختانُ بشيءٍ ولا القلفُ بلْ الخليقةُ الجديدةُ* وكلُّ الذينَ يسلكونَ بحسبِ هذا القانونِ فعليهِمْ سلامٌ ورحمةٌ وعلى إسرائيلَ الله* فلا يجلب عليَّ أحدٌ أتعابًا فيما بعدُ فإني حاملٌ في جسدي سمات الربِّ يسوعَ* نعمةُ ربنا يسوعَ المسيحِ معَ روحِكُمْ أيُّها الإخوة. آمين.
الانجيل: فصل من بشارة القديس يوحنا الإنجيلي (يو 3: 13-17 (للأحد))
قالَ الربُ: لمْ يَصعدْ أحدٌ إلى السماءِ إلاّ الذي نزلَ من السماءِ ابن البشر الذي هو في السماءِ* وكما رفعَ موسى الحيةَ في البريةِ هكذا ينبغي أنْ يُرفَعَ ابنُ البشرِ* لكي لا يهلِكَ كل منْ يؤمن بهِ بلْ تكون لهُ الحياةُ الأبدية* لأنهُ هكذا أحبَ الله العالمَ حتّى بذلَ ابنَهُ الوحيد لكي لا يهلك كلُّ من يؤمن به بل تكون لهُ الحياة الأبدية* فإنّه لمْ يرسل الله ابنَه الوحيدَ إلى العالمْ ليدينَ العالمَ بل ليخلّصَ بهِ العالمَ.
التأمل الروحي للقديس نيقوديموس الآثوسي: “أما أنا فحاشى لي أن أفتخرَ إلا بصليبِ ربنا يسوعَ المسيح الذي بهِ صُلِبَ العالمُ لي وأنا صُلِبتُ للعالم” (غلا 6: 14).
يفتخر الرسول بولس بالصليب متذكراً الايمان والنعمة والاحسان والعدل النابعين من الصليب لأنه عن طريقه عُرفت عظمة الخطيئة وعظمة محبّة الله للبشر كما يقول الذهبي الفم الإلهي. لذلك كان بولس يستطيع أن يفتخر بحكمة المسيح وقدرته لكنه لم يفتخر إلاَّ بالصليب الذي يرتبك به الفلاسفة العالميون ويخجلون منه (وكأنه جهالة) بينما يجد فيه الرسول كنزاً. لأن حيث التواضع هناك العظمة. حيث الضعف هناك القوّة. حيث الموت هناك الحياة. قال القديس مكسيموس “مخافة الله صليب هي، ذكر ما هو فوق، سيادة على الأهواء أي ضدّ الغضب والشهوة، ابتعاد عن محبّة الأقرباء والأصدقاء بداعي عشقنا لله”.
الصليب ألغى الناموس القديم. حاشا لي أن أفتخر إلاّ بالايمان بالمصلوب. حسب القديس يوحنا الذهبي الفم لم يقل بولس أنا لا أفتخر بشيء آخر سوى بصليب المسيح بل قال حاشا لي أن أفتخر إلاَّ بالصليب متوسّلا هكذا إلى الله أن لا يسمح له بشيء آخر بل يطلب منه العون لكي يستطيع الافتخار بالصليب وحده.
كيف يفتخر بولس بالصليب؟ كيف يجب على المسيحي أن يفتخر بالصليب؟ فكّر هكذا: إن المسيح السيّد لأجلي أنا العبد الحقير تألم وصلب وأحبّ إلى حدّ أنّه بذل نفسه عن طريق موت مذلّ، موت الصليب. أي افتخار يساوي مثل هذا الافتخار؟ هو الافتخار الأسمى لبولس ولكل مسيحي لأنه عن طريق الصليب تظهر محبّة السيد المسيح لعبيده. أي عبد لا يفتخر ولا يتخشّع عندما يحبّه سيده؟ طبعاً هذا العبد يفتخر بسيده افتخارا عظيماً.
“الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم”.
بكلمة عالم يشير الرسول إلى كل الأمور المعيشية، إلى المجد، الغنى، الملذّات وما شابه. كل ذلك أصبح أشياء ميتة لا تفعل في. ومن جهتي أيضاً أصبحت ميتاً بالنسبة للعالم. الموت أضحى من الجهتين. لا تقدر تلك الأشياء أن تجذبني من بعد إلى محبّتها لأنها أصبحت مائتة بالنسبة لي. ولا أنا أمتلك قدرة على اشتهائها لأني أصبحت ميتاً بالنسبة لها.
القديس غريغوريوس بالاماس يفسّر هذه الآية قائلاً: “صُلب العالم لي” أي ابتعدت عن العالم حسّياً، تخلّيت عن الغنى، عن المجد والملذّات السهلة عند كل واحد. “وصُلبت للعالم” تدل على أننا عندما نبتعد عن العالم حسّياً نُصلب للعالم بالذهن أيضاً، أي نطرد من فكرنا وقلبنا الأهواء وشهوات العالم ولا نرتبك بها. وهذا أمر أصعب، لأن كثيرين هم بعيدون عن العالم بالجسد والحواس أمّا بالفكر والقلب فيوجدون في قلب العالم محبّين ومشتهين ملذّاته.
نعايد كل من يحمل اسم مريم، متمنين لهن وللجميع دوام الصحة والعافية والقداسة. وكل عيد والجميع بألف خير.