١٢ تشرين الثاني – أبينا في القدّيسين يوحنا الرحيم رئيس أساقفة الإسكندرية – القدّيس مارتينوس، أسقف تاراسين، شمال روما.

March-2-2019

أبينا الجليل في القدّيسين يوحنّا الرحيم رئيس أساقفة الأسكندرية
وُلد القدّيس يوحنّا في العام 555 للميلاد في بلدة أماثوس القبرصيّة وفيها رقد في العام 619م. كان والده أبيفانوس أحد المتنفذين في الحكم في جزيرة قبرص :هذا كانت له على ابنه سطوة. تلقّى نصيبًا من العلم لا بأس به، ويبدو أنه نشأ على مخافة الله. ولمّا بلغ، زوّجه والده عنوةً، فأنجب جملة أولاد. لكن ، كانت له مع ربّه غير قصّة ولله في قدّيسيه غير أحكام، فقد رقدت زوجته وكذا أولاده في زهرة العمر وتركوه وحيدًا إلى ربّه.
ثمّ فجأة ظهر قصد الله فيه. ففي العام 609 أو ربما 610 للميلاد انتزع نيقيتا، قريب الأمبراطور هرقل، الأسكندرية أثر الفوضى التي دبّت في الأمبراطورية بعد المؤامرة التي دبّرها فوقا. وإذا بيوحنّا، الرجل العاميّ، يبرز كبطريرك على المدينة. ظروف إرتقائه السدّة المرقسيّة لا نعرفها ولا تفاصيل إنتقاله عبر الدرج الإكليريكي. موسكوس وصوفرونيوس ذكرا أنّه كان أخًا لنيقيتا بالتبنّي فيما ورد في نصّ ليونتيوس أنّه صار عرّابا لأولاد الحاكم الجديد. في كلّ حال صار قدّيسنا بطريركًا على الإسكندريّة واتّخذ اسم يوحنّا الخامس. وقد أظهرت الأيّام أنّه رغم ما غلف اختياره من أمور غير عاديّة فإنّ ما جرى كان بتدبير من الله.
بلاد مصر يومها كان أكثرها من أصحاب الطبيعة الواحدة. وثمّة من يقول أنّه عندما اعتلى يوحنّا الأسقفية لم يكن في الإسكندريّة غير سبع كنائس أرثوذكسيّة. بيد أنّه عندما غادرها كان العدد قد بلغ السبعين.
يُروى عنه أنّه قبل تصيّيره جمع خدّام البطريركية وعمّال الخزينة وأمرهم بإجراء مسح في المدينة لمن أسماهم “أسياده” وأن لا يغفلوا أحدا. ولما تساءلوا مستغربين من عساهم يكونون “أسياد” البطريرك هؤلاء أجابهم :”إنّ الذين تدعونهم أنتم فقراء وشحّاذين، هؤلاء أعلنهم لي سادة ومجرّبين، لأنّهم وحدهم القادرون على مساعدتنا، وهم الذين يمنحوننا ملكوت السماوات”. وللحال انطلق الخدّام يبحثون عن “الفقراء الأسياد”. ولمّا أنجزوا المهمّة أتوه بلائحة فيها سبعة الآف وخمسماية اسم. هؤلاء أمر يوحنّا لهم بما كان مدّخرًا في صندوق البطريركية، ثمانية الآف ذهبيّة وأن يتولى الشمامسة سدّ حاجاتهم من دخل البطريركيّة، يومًا فيوما. فقط إذ ذاك دخل الكنيسة في موكب وتمّ تصييره بطريركا.
وكان لا بدّ من أن يُثير تصرّف البطريرك الجديد تساؤلات ومخاوف وانتقادات لا سيّما بعدما انتشر خبره وأضحى للمساكين والمضنوكين والمتعبين ملاذا وعزاء : كيف يفي بوعوده؟ من أين يُعيل جحافل هذه أعدادها؟ الكلام هيّن ولكن كيف يفعلون؟ فكان لسان حال يوحنّا وكان جوابه، وسيرته كلّها كانت الجواب :”حتى ولو نزل العالم كلّه إلى الإسكندريّة مستحسنًا، مستجبرًا لما ضيّق على الكنيسة المقدّسة ولا أنضب كنوز الله التي لا تنضب”. بمثل هذه الثقة سلك يوحنّا، وغالبًا ما اعتاد أن يردّد في صلاته :”سنرى، يا سيدي، لأيّ منا تكون الغلبة: لك في العطاء أم لي في التوزيع على الفقراء، لأنّي أعترف أنّه ليس لي ما ليس من رأفتك وبها أستعين”.
هذا هو الرجل الذي تجاسر فضارع الله. خدمتنا الليتورجية تسمّيه “نهر عمل الخير الذي لا ينفذ”. لم يرد سائلاً أبدًا. لم يكن القياس بالنسبة إليه أن يعطي إذا كان لديه بل أن من يرسله الله أليك يعطيك أن تعطيه لأن الذي قال :”كل من سألك فأعطه” (لوقا 6 :30 ) “ومن أراد أن يقترض منك فلا تردّه “قال ايضا “اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، إقرعوا يُفتح لكم”. أو حقولا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف . . . (متى 19 :29).
في إحدى قطع صلاة المساء الخاصّة بهذا النهار، ترتّل الكنيسة المقدّسة على “يا ربّ إليك صرخت” الأنشودة التالية:
“يا يوحنّا المستحقّ التعجّب، لقد أعطاك الربّ جميع مطالب قلبِك لأنّك قد حفظت كلّ الشرائع الخلاصيّة وأحببت الله إلى الغاية، والقريب مثل نفسك، وكفيت السائلين، فلذلك نحتفل بك اليوم أيّها المغبّط من الله “.
هذا القول في شأن قدّيس الله، يوحنّا المكنّى بـ”الرحيم “، خلاصة سيرة وعلّة إكرام حتّى حسبته الكنيسة أحد أساقفتها النموذجييّن الذين أودعت ذكرهم افشين “خلّص يا ربّ شعبك وبارك ميراثك …”، ترجمة كلّ من ليونتيوس، أسقف نيابوليس القبرصي، ويوحنّا موسكوس الدمشقيّ صاحب “المرج الروحيّ” مكمّلا بالقدّيس صوفرونيوس الدمشقي الأورشليمي.

أبينا البار نيلس السينائيّ
ولد القديس نيلس في مدينة أنقرة في غلاطية وقد كان تلميذاً للقديس يوحنا الذهبي الفم لما كان واعظاً في أنطاكية.عائلته مرموقة وثرية. وقد منّ عليه الله بمواهب طبيعية جمة مما أتاح له أن يتبوأ مركز المفتش العام لمدينة القسطنطينية أيام الإمبراطور ثيودوسيوس (379 -395م). ولم يطل به المقام حتى أدرك خواء الحياة في العالم لاسيما بعدما وضعه منصبه وجهاً لوجه أمام صور لا يألفها العامة من حياة الإثم والرذيلة في العاصمة، فاتفق وزوجته على الخروج من العالم والانصراف إلى الحياة الرهبانية. وقد كان له ولدان، صبي وبنت، فأما البنت فأخذتها أمها وانضمت إلى أحد الأديرة المصرية وأما الصبي الذي كان يدعى ثيوذولوس فرافق أباه إلى بريّة سيناء. كانت حياة نيلس في سيناء قاسية جداً. فقد حفر بيديه وبالتعاون مع ابنه مغارة استقرا فيها واكتفيا من الطعام بالأعشاب البرية المرّة دون الخبز. كل وقتهما اعتادا قضاءه في الصلاة ودراسة الكتب المقدسة والتأمل والعمل. ومع أن نيلس كان قد خرج من العالم إلا أنه بقي على اتصال بعدد كبير من المؤمنين ممن كانوا يسألونه الصلاة ويوجهّون إليه الأسئلة في أصول الحياة الروحية. وكان هو يجيب بأعداد كبيرة من الرسائل حتى لتنسب إليه ألف رسالة وجّهها إلى أساقفة وكهنة ونساّك وأمراء وحكّام وعاميين. ويبدو أنه أجاد أكثر ما أجاد في كشف حيل الأبالسة وتعزية المضنوكين واستنهاض ذوي الهمم الخائرة في الطريق إلى الله. وكان إلى ذلك يخوض في ما غمض من أقوال الكتاب المقدس ويعرض للإيمان الأرثوذكسي داحضاً الآريوسية وسواها من الهرطقات التي كانت شائعة في ذلك الزمان. ولما كتب إليه الإمبراطور البيزنطي طالباً بركته وأن يصلّي من أجله لم يتورّع عن اتهامه بالظلم للمعاملة السيئة التي عامل بها القديس يوحنا الذهبي الفم. وكانت للقديس نيلس أيضاً كتابات نسكية قيمة أبانت سعة معرفته الروحية وعمقها.
وشاء الرب الإله أن يفتقده بابنه فوقع في أسر قبائل عربية أغارت على المكان. وقد كان عبء الحادث ثقيلاً جداً عليه حتى لم تعرف نفسه طعم الراحة لاسيما بعدما ورد خبر أن الغزاة مزمعون على تقديمه ذبيحة للإلهة فينوس. لكن الله لم يشأ لعبده أن يتثقّل أكثر من ذلك فجاءه من أخبره أن ثيوذولوس قد بيع عبداً. فخرج نيلس يبحث عن ابنه إلى أن وجده في بلدة اسمها ألوز كان أسقفها قد ابتاع ثيوذولوس وأخذ في إعداده لخدمة الكنيسة. فلما حضر قديسنا لدى الأسقف فرح هذا الأخير به وحاول إقناعه بالبقاء في البلدة واقتبال الكهنوت. لكن نيلس وثيوذولوس كانا مشدودين إلى برية سيناء، فرضخ الأسقف للأمر الواقع وتركهما يعودان إلى هناك بعدما وضع يده عليهما وصيّرهما كاهنين. وقضى نيلس بقية أيامه في سيناء إلى أن رقد في الرب عام 450 للميلاد عن عمر ناهز الثمانين، وكان، وقد أمضى ستين عاما ً في النسك.
ولعله من المفيد لنا أن نطلع على بعض ما علّمه القديس نيلس، لاسيما في موضوع حياة الصلاة. فمن أقواله: “إن الأهواء الجسدية أساسها في الرغبات الجسدية، وللجمها لا بد من الإمساك، أما الأهواء الروحية فأساسها في الرغبات الروحية وضد هذه لا بد من الصلاة”. وفي الدموع قال: “قبل كل شيء صلِّ لتعطى الدموع فيرقق البكاء القساوة التي في نفسك وتعترف بخطاياك أمام الرب. إذ ذاك تنال منه غفران الزلات”. وقال في الصلاة: “إذا كنت ترغب في الصلاة الحق فتنحلّ عن الكل لترث الكل”. وتساءل: “لماذا ترغب الأبالسة في أن تحرّك فينا الشراهة والزنى والجشع والغضب والحقد وسائر الأهواء؟” فأجاب: “لكي ينوء الذهن تحت ثقلها جميعاً فيعجز عن الصلاة كما ينبغي. كل الحرب بيننا وبين الأرواح النجسة تستهدف الصلاة الروحية. فالصلاة الروحية هي أكثر ما يؤذي الشياطين فلا يطيقونها، أما لنا فهي خلاصية وموافقة”. وقال أيضاً: “إذا كنت لاهوتياً صلّيت صلاة حقيقية وإذا صلّيت صلاة حقيقية كنت لاهوتياً”. وعن الراهب قال: “الراهب هو ذاك الذي يترك الناس ليتحد بهم جميعاً. هو ذاك الذي يرى نفسه في كل إنسان”. وعن حاجات الجسد والاتكال على الله: “توكّل على الله في حاجات الجسد، إذ ذاك يتضح أنك توكّلت عليه في حاجاتك الروحية أيضاً”.
وعن أصول الصلاة قال: “تستدعي الصلاة أن يكون الذهن خالياً من كل فكر ولا يقبل ما ليس من الصلاة حتى ولو كان في ذاته فكراً صالحاً. فعلى الذهن أن يترك كل شيء في الصلاة ليناجي الله وحده”.

القدّيس مارتينوس
كان القدّيس مارتينوس مدافعًا عن الإيمان الأرثوذكسي ضد الآريوسيين. قبضوا عليه وضربوه بوحشية وطردوه من مدينة السواري الواقعة على البحر الأدرياتيكي. لجأ إلى مدينة ميلانو حيث لقي نفس المعاملة السيئة من الأسقف الهرطوقي فيها. ويقال أنّه فرّ بعد ذلك إلى جزيرة قاحلة عاش فيها على الأعشاب البرية. ثم صار أسقفًا على تاراسين ولمع في الفضائل الرسوليّة. مما يروى عنه أنّه كان ينفق كلّ ما لديه لإطعام الفقراء. وما كان ليطيق رؤية مسكين إلا أعطاه ما معه حتّى ثيابه. رقد بسلام بالربّ بعد مسيرة طويلة من حياة القداسة.

الطروبارية
+ بصبرك قد نلت ثوابك أيّها الأب البارّ، معتكفًا على الصلوات بغير انقطاع،محبّاً المساكين وكافياً إيّاهم، فتشفع إلى المسيح الإله، يا يوحنّا الرحيم، أن يخلّص نفوسنا.
+ للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ.فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار نيُلس،فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.

GoCarch