١٩ تموز – القدّيسة أمّنا البارة ماكرينا أخت القدّيس باسيليوس – القدّيسين البارّين ثيودوروس أسقف الرها وإبن أخته ميخائيل الشهيد – القدّيس ذيّوس

November-8-2018

القدّيسة مكرينا ورفيقاتها الأربع

هي أخت القدّيس باسيليوس الكبير والقدّيس غريغوريوس النيصصي. وهي البكر في عائلة قوامها عشرة أولاد. أبصرت النور سنة 327م سميت باسم جدّتها مكرينا الكبرى التيتتلمذت للقدّيس غريغوريوس العجائبيّ. اهتمّت أمّها بتنشئتها على الكتاب المقدّس وخصوصًا على سفري الحكمة والأمثال، وكانت مزامير داود ترافقها في كلّ أنشطتها. وكانت رغبتها منذ صباها أن تترهّب في بيت أهلها واهتمّت بحاجات المنزل، وبتنشئة أخوتها. بعدما رقد والدها سنة 341م استلمت إدارة الملكية العائليّة في البنطس وبلاد الكبادوك وأرمينيا.

دعت أمّها لتسلكا بالحياة النسكيّة فأقبلا على القراءة وتأمل الكتب المقدّسة، ولقد كانت نموذج المربية المسيحيّة. وبعد أن كبر الأولد قرّرت والدتها توزيع الميراث وتحوّيل البيت العائلي ّ إلى دير وجعلت الخادمات رفاق في الرهبنة أيضًا ونجحت مكرينا في اقناع أخيها باسيليوس العائد من أثينا بالتخلي عن مهنته كأستاذ في البلاغة ليتقبل الحياة الإنجيليّة. هذا وقد نشأ بقرب دير النساء أخوية للذكور بعهدة شقيق مكرينا الأصغر بطرس، راعي سبسطية. في ديرها عاشت بسلام مع عدد من الأخوات اللواتي انضممن إليها. أصيبت خلال حياتها بورم خبيث فرفضت العناية الطبيّة وأسلمت ذاتها للرب وأمضت الليل بالصلوات ورسمت إشارة الصليب على صدرها فاختفى المرض. يقال أنّها بلغت حدّ اللاهوى وهذا ظهر جليًّا بعد وفاة أخيها نوكراتيوس في حادث صيد، فكانت مثالاً لضبط النفس والايمان بالحياة الأبدية، واستابنت على كبر النفس بإزاء الوفيات التي تعاقبت على الشركة فكانت غير متزعزعة وهذا ما استبانت عليه إثر رقاد أمّها وشقيقها باسيليوسالكبير. وخلال المجاعة التي وقعت في السنة 368م أضحى الدير ملاذًا لكلّ إنسان في الجوار.

زارها أخوه غريغوريوس النيصصي بعد تسع سنوات منذ آخر مرّة رأها فيها، كانت ممدّة على لوح من جراء المرض الذي أصابها، وتحادثت معه مطوّلاً حول طبيعة الانسان ومعنى الخلق والنفس وقيامة الأجساد.

ولمّا دنت ساعة رقادها تضرّعت إلى الربّ قائلة: “أيّها الربّ، أنت من بدّد عنا الخوف من الموت، انت من جعل لأجلنا حدّ الحياة هنا على الأرض مطلعًا للحياة الحقانيّة . أنت من يعطي أجسادنا الراحة لبعض الوقت وتوقظنا من جديد على صوت البوق الأخير. أنت من ترك في الأرض ما جبلته يداه ليعود فيطلب ما أعطاه، أنت من اعتقنا من اللعنة والخطيئة….. أنت من له على الأرض سلطان أن يغفر الخطايا اغفرها لي لأتنفس الصعداء ومتى انفصلت عن هذا الجسد ظهرت أمامك بنفس لا تدانى ولا عيب فيها كالبخور أمامك”.

إثر هذه الكلمات رسمت علامة الصليب على عينيّها وفمها وقلبها. واشتركت بصمت في صلاة المساء وتنهّدت تنهدة كبيرة وأسلمت الروح.

القدّيس البار ذيوس

القدّيس البار ذيوس الأنطاكي (القرن الخامس م) أصله من أنطاكية، عاش طويلا في النسك وأتعاب الفضيلة. انتقل ليؤسّس ديرًا في القسطنطينيّة إثر رؤيا إلهية: زرع العصا في ارض استصلحها، وصارت شجرة كبيرة مثمرة.

جاءه الأمبراطور ثيودوسيوس الصغير (408-425) زائرًا، فانتفع من فضيلته وحكمته، فخصّص له مبلغًا كبيرًا من المال تمكّن القدّيس به من بناء دير فسيح. سامه القدّيس البطريرك أتيكوس كاهنًا، وسجّل له اجتراح العجائب.

يحكى عنه، أنّه كان طريح الفراش وتحت خطر الموت، كان القوم حوله متحلّقين والدموع في عيونهم، لمّا انتصب، وبعجيبة إلهيّة، كمن خرج لتوّه من نوم عميق، واعلن للحاضرين انّ الله وهبه خمس عشرة سنة إضافيّة. وهكذا وبعد إنقضاء تلك الفترة رقد قدّيسنا بسلام.

القدّيسين ثيودوروس وميخائيل

أكثر ما ورد ذكرهما في السنكسارات الملكيّة الإنطاكيّة. وقد أخذنا سيرتهما عن المخطوط السينائيّ العربيّ العائد إلى العام 1237م.

القدّيس ثيودوروس هو أبن أبوين مؤمنين شريفين نقيّين، سمعان ومريم. رزقا من الزواج أنثى ثمّ منع عنهما الربّ ثمرة البطن. اشتهيا أن يكون لهما صبي أيضًا فلم يرزقا. صارا لا يفارقان الكنيسة سنين طويلة مكثرين من الصوم والتقشّف والصلاة ناذرين الصبي إلى الربّ الإله إن هو مَنّ به عليهما. فلمّا حان ميقات إنصافهما، وكان السبت الأول من الصوم الكبير حبلت مريم فحفظت نفسها حفظ الأواني المقدّسة الإلهيّة. ولمّا آنت ولادتها أنجبت ذكرًا. وعند الأربعين أتيا به إلى الهيكل. ولمّا أكمل الأربعين عمّداه وسمّاه ثيودوروس، ثم في الخامسة سلّمه أبواه للمعلّمين ليتلقّن الكتب المقدّسة.

بان الصبي بليد القلب، غير قابل للعلم، وصار عرضة بعد حين، للهزء والضرب. خطر بباله وهو في السابعة أن يختبىء تحت مائدة المذبح. فلمّا كان القدّاس الإلهيّ غفا، وإذ به ينظر صبيًّا يلمع كالشمس ويلقّمه شهدًا ويصف له السيرة الرهبانيّة ويناوله عصا الصليب والكهنوت الإلهيّة، فاشتعل قلبه وفطن إلى أنّ الظاهر له هو ابن الله الوحيد فسجد وتبرّك، وللوقت استيقظ من نومه. وإذ أراد أن يخرج من تحت المائدة دونما حرج، ولمّا ينتهي القدّاس الإلهيّ، لاحظه الأسقف فتعجّب، وبعدما عرف بحاله مجّد الله، وجعله شمّاسًا صغيرًا. من تلك الساعة انسكبت النعمة على الصبي فاستنار قلبه وتفتح ذهنه وصار قابلاً للعلوم كلّها.

فقد ثيودوروس والديه وهو بعد في التاسعة فأثّر فيه المصاب تأثيرًا كبيرًا فزهد في العيشة ونزل إلى لافرا القدّيس سابا حيث طلب من الأنبا يوحنّا، رئيس الدير، أن يرهبنه، فامتحنه ستّة أشهر. ولمّا بانت له جودته صلّى عليه وقصّ شعره وألبسه الإسكيم الرهبانيّ. وقد فاق أقرانه في الجهاد واقتنى العفّة الجليلة والدموع الغزيرة والسيرة الوديعة حتّى أضحى كفؤًا لكلّ خدمة.

انصرف بعد ذلك إلى ربّه وانصرف إلى السكون سائحًا في براري الأردن حتّى صار شبيهًا بالملائكة. لم يقتنِ من ملذات العالم شيئًا ولا ثوبين ولا عصا. كان منظرًا للملائكة والبشر. يصوم أيّامًا كثيرة. وقد كانت له من الله عطية صالحة فصار له تلاميذ كثيرون وكانوا يأتونه من كلّ صوب وينتفعون من روح الربّ الساكن فيه.

اتّفق أن التقى بطريرك أنطاكية ببطريرك أورشليم في المدينة المقدّسة وقد حضر قوم من الرها ليطلبوا من البطريرك بديلاً عن أسقفهم الراقد، فاستقرّ الرأي على إيفاد ثيودوروس أسقفًا، فلمّا علم البار بالأمر حاول التملّص منه فلم يوفّق. وفي الطريق إلى الرها حاول الهرب سرًّا لكنّ الربّ منعه من خلال صوتٍ سمعه يطلب إليه أن يهتمّ بالقطيع الذي هناك.

في الرها لاحظ كثرة الهراطقة فوعظ الشعب بالمحافظة على الإيمان القويم قارنًا الغيرة بالعلم والبلاغة. وكان مقنعًا في كلامه لدرجة انّه استطاع أن يهدي ملك بغداد بالمسيحيّة، وكتب له دستور الإيمان في اللغة العربيّة كما كتب له أيضًا بعض الصلوات الأخرى.

وفي آخر أيام القدّيس ذهب إلى أورشليم وتبرّك فيها ونزل في لافرا القدّيس سابا ففرح به الآباء ودفعوا إليه القلاّية التي كان فيها قديمًا. وبعد عشرين يومًا مرض مرضًا يسيرًا فاجتمع إليه الآباء وطلبوا بركة صلاته فصلّى عليهم وباركهم وسألهم أن يباركوه ويصلّوا عليه ويناولوه جسد المسيح ودمه الكريم. ولمّا تناول أسلم روحه وكان ذلك في التاسع عشر من شهر تمّوز.

وفي آخر أيام القدّيس ذهب إلى أورشليم وتبرّك فيها ونزل في لافرا القدّيس سابا ففرح به الآباء ودفعوا إليه القلاّية التي كان فيها قديمًا. وبعد عشرين يومًا مرض مرضًا يسيرًا فاجتمع إليه الآباء وطلبوا بركة صلاته فصلّى عليهم وباركهم وسألهم أن يباركوه ويصلّوا عليه ويناولوه جسد المسيح ودمه الكريم. ولمّا تناول أسلم روحه وكان ذلك في التاسع عشر من شهر تمّوز.

في تلك الأيام اتّفق أنّ ملك فارس ساد على أورشليم وسار من بلده ومعه زوجته بجيش عظيم وجاء إلى بيت المقدس. في ذلك الحين أرسل ثيودوروس تلميذه ميخائيل إلى مدينة أورشليم ليبيع ما صنعتاه يديهما كالعادة، فالتقى في السوق بخدّام الملكة الذين طلبوا إليه أن يذهب إلى الملكة لتشتري منه كلّ البضائع، فاستحلته الملكة وأرادته لها لكنّه أبى ذلك ولمّا رفض الخضوع لها اشتكته للملك الذي عرف بأنّه بريء ولكن لأجل الملكة أراد معاقبته وعندما حاول أن يستوضح الأمر أعجب برده وعمل على استمالته إلى الدين الإسلاميّ ومقدّمًا له المغريات السياسيّة غير أن القدّيس ميخائيل رفض نكران إيمانه وفضّل الموت على اعتناق الإسلام، ولمّا علا صوت المسلمين مطالبين بقتله صدر الأمر بقطع عنقه وهكذا مجّد الله بموته.

الطروبارية

بكِ حُفظت الصورةُ باحتراسٍ وثيق، أيتها الأمُّ مكرينا، لأنّكِ قد حملتِ الصليب فتبعتِ المسيح، وعمِلتِ وعَلَّمتِ أن يُتغاضى عن الجسد لأنّه يزول، ويُهتمَّ بأمور النفس غير المائتة. فلذلك أيتها البارّة تبتهج روحك مع الملائكة.

GoCarch