٢٤ كانون الثاني – القدّيسة البارة كسينيا الروميّة – القدّيس البار مقدونيوس القورشي

September-4-2018

القدّيس مقدونيوس القورشي

كتب عنه ثيودوريتوس، أسقف قورش، سمِّي بآكل الشعير لأنه بقي أربعين سنة لا يأكل إلاّ الشعير المطحون المبلّل بالماء. ذاع صيته في كل فينيقية وسورية وكيليكيا. عاش في الجبال، لم يكن له موطن محدّد، أقام تارة هنا وتارة هناك هرباً من الناس والمجد الباطل. عاش على هذا النحو خمسة وأربعين سنة لا خيمة ولا صومعة. دعي أيضاً بساكن الجبّ. كان سريانياً ولا يعرف اليونانية. رضي أخيراً أن يقيم في صومعة، فسكن في بيوت صغيرة لا يملكها خمسة وعشرين عاماً. مجموع سني جهاده بلغ السبعين. بعد أربعين سنة لم يتناول خلالها غير الشعير، قرّر تناول الخبز لأنه شعر بالتعب وأنه إذا استمر على هذا النحو فسيموت. فلكي يزيد من ثروته للحياة الأخرى، أي أتعابه النسكية، قرّر أن يأكل الخبز ليتقوّى ويعيش مدّة أطول. على أثر ارتقاء فلافيانوس كرسي أنطاكية العظمى سنة 381 م، ولدى اطّلاعه على فضيلة الرجل أرسل في طلبه بحجّة أن هناك شكوى ضدّه. فنزل مقدونيوس لا يلوي على شيء. وأثناء الخدمة الإلهية أمر الأسقف الناسك بالدنو من الهيكل، فتقدّم وهو لا يفهم مما يجري شيئاً، فجعله فلافيانوس كاهناً.

في نهاية الخدمة شرح له أحدهم ما جرى له فاحتدّ وأخذ يوجّه للجميع كلاماً قاسياً. كما أخذ عصاه وصار يلاحق رئيس الكهنة وسائر الذين كانوا هناك يروم ضربهم لأنه ظنّ ان سيامة الكهنوتية تمنعه من متابعة سيرته السابقة. وبالجهد تمكّن بعض رفاقه من تهدئته. ولما كان الأحد من الأسبوع التالي، رغب فلافيانوس في أن يشترك مقدونيوس، كاهناً، في الخدمة. فأجاب المرسلين:”أما كفاكم ما جرى! تريدون منى الآن أن أصير كاهناً مرّة أخرى؟!” وعبثاً حاولوا إفهامه أن الشرطونية لا تُعاد فلم يشأ ولم يذهب. على هذا القدر من البساطة والعفوية والطفولية كان مقدونيوس. نقل عنه أنه التقى مرة أحد القادة العسكريين في الجبال. فسأله مقدونيوس:”ماذا أتيت تعمل هنا؟” فأجال:”أتيت لأصطاد”. فقال له مقدونيوس:”وأنا أيضاً هنا لأصطاد الله. فإني متشوّق إلى امتلاكه وأرغب في مشاهدته ولا أتعب من معاطاتي هذا الصيد الجميل!”. كذلك أخبروا عنه أنه لما حصلت ثورة في انطاكية وحطّم الناس التماثيل الملكية، وفد إلى المدينة قائدان عسكريان مزوّدان بأمر ملكي يقضي بإبادة المدينة. فنزل مقدونيوس من جبله والتقى القائدين لدى مرورهما في الساحة العامة. فلما عرفا من يكون، ترجّلا وبادراه التحية. فالتمس منهما أن يبلّغا الملك أنه هو أيضاً انسان ومن طبيعة الذين أهانوه لما حطّموا تمثاله وتماثيل أفراد عائلته. وان عليه أن يجعل غضبه متناسباً مع طبيعته ولا يتجاوز في انتقامه حدود الطبيعة فيقضي بإبادة صور الله، أي سكان المدينة، رداً على تحطيم التماثيل، ويحكم بالموت على الأحياء في مقابل تماثيل من النحاسية الميتة. ثم أضاف:”نستطيع بسهولة أن نعمل من جديد تماثيل من نحاس، ولكنّك أنت، ولو كنت ملكاً، لا تقتدر أن تعيد الأجساد التي تكون قد أبدتها، ولا حتى أن تعيد إليها شعرة واحدة”. هذا ما قاله مقدونيوس للقائدين عبر مترجم فسمعاه بتوقير ووعداه بأن يبلّغا الملك. هذا وقد روى عنه ثيودوريتوس الذي عرفه شخصياً أنه شفى امرأة من مرض الجوع الكلبي، أي الأكل بلا توقف ومن دون شبع. كما أخرج شيطاناً من فتاة شابة وأعاد أخرى إلى صوابها وتمتّع بموهبة النبوءة، وأن بفضله حبلت أم ثيودوريتوس به. ولما رقد مقدونيوس في الرب ممتلئاً أياماً قامت كل أنطاكية تسير في جنازته إلى حيث ووري الثرى بجانب رجل الله امرآات وثيودوسيوس.

القدّيسة البارة كسينيا الروميّة

اسمها في المعمودية كان أفسافيا أي “التقية”، ولدت ونشأت في رومية لوالدين من الأشراف، فلما بلغت سنّ الزواج رغب والداها في زفّها إلى شاب يليق بها، فلم تلق الفكرة لديها ترحيباً لأنّ رغبة قلبها كانت أن تصير راهبة. لكنّها سكتت ولم تبد اعتراضاً، فيما استقرّ في نفسها أن تغادر أبويها سرّاً قبل حلول يوم الزفاف، وكشفت الأمر لإثنتين من خادماتها ودعتهن إلى مرافقتها فوافقنها. وسعت إلى توزيع هداياها الزوجية على الأرامل والأيتام. وإذ اكتملت عدة الزواج غادرت النسوة الثلاث وتوجهّن إلى مكان بعيد فوصلن إلى جزيرة كوس اليونانية، فلما حططن هناك عثرّن على منزل معزول فاستأجرنه. ومذ ذاك غيرّت أفسافيا اسمها وصارت تدعى “كسينيا” تعني “غريبة”.

بعد حين أطلّ عليهن رجل ملائكي الطلعة، كان راهبا، رئيس دير واسمه بولس استجارت به النسوة الثلاث ورافقنه إلى ديره، فأقمن في ميلاسا بقرب دير الشيخ، وبنين لأنفسهن كنيسة كرّسنها لأول الشهداء أستفانوس. وقد أضحى المنسك فيما بعد ديرا حين ذاع صيت كسينيا وأقبلت النسوة إليها يطلبن الحياة الملائكية على يديها.

اختير الراهب أسقفا لميلاسا فجعل كسينيا شمّاسة رغم تحفّظها الشديد. وقد ضاهت بسيرتها الملائكية وتكبّدت من أجل ربّها مشاقا عظيمة. وكانت تجاهد في الصلاة والسجود الليل بطوله. وكثيرات شاهدنها تركع في الصلاة من ساعة غياب الشمس إلى ساعة ضرب الناقوس صبيحة اليوم التالي. وكانت أحيانا تمضي الليل في الصلاة ببكاء لا ينقطع. سيرتها انعجنت بالوداعة والمحبّة الفائقة.

لما دنت ساعة مفارقتها دعت راهباتها وزوّدتهن بإرشاداتها وبركتها، ثم أقفلت على نفسها في الكنيسة إلى ان أسلمت الروح. وقد ذكر شهود عيان ان الطيب فاح ساعتئذ من الكنيسة، كما ذكر آخرون ان مرضى عديدين شفوا برفاتها. اما خادمتا كسينيا فلم تلبثا طويلا حتى فارقتا كما ليكون الثلاثة معا في الممات بعد ان كن معا في الحياة.

الطروبارية

+ بكِ حُفظت الصورةُ باحتراسٍ وثيق، أيتها الأمُّ كساني، لأنّكِ قد حملتِ الصليب فتبعتِ المسيح، وعمِلتِ وعَلَّمتِ أن يُتغاضى عن الجسد لأنّه يزول، ويُهتمَّ بأمور النفس غير المائتة. فلذلك أيتها البارّة تبتهج روحك مع الملائكة.

GoCarch