٢٩ تشرين الأول – القدّيسة البارة الشهيدة نسطاس (انسطاسية) الروميّة – القدّيس أبينا البار أبراميوس وابنة أخيه البارة مريم الرهاويين – القدّيسة أمنا البارة حنّة

March-2-2019

القدّيس أبينا البار أبراميوس وابنة أخيه البارة مريم الرهاويين
ولد القدّيس أبراميوس في بيت من ذوي اليسر بالقرب من مدينة الرها، فيما بين النهرين. كان والداه تقيين نبيلين فأنشأه على التقوى وكرامة الخلق، كما أفسحا له في المجال لتلقي العلوم فحصّل منها قسطًا وافرًا. وإذ رغبا في تقديم ولدهما في مراقي العظمة بين الناس، خطبا له، وهو بعد صغير، فتاة ظنّا أنّها سوف تكون له خير معين في هذا الإتجاه.
وجرى الإحتفال بالعرس، سبعة ايام كاملة، كان أبراميوس خلالها في غير مكان وكأن الأمر لا يعينه. فلمّا حضر اليوم السابع، قام لتوّه وخرج سرًّا من البيت وتوارى. لم يأخذ معه شيئًا سوى زهده، كان يومذاك قد بلغ العشرين. أقام في قلاّية معزولة لا تبعد كثيرًا عن المدينة. هناك أقام في الصلاة سبعة عشر يومًا لم يذق خلالها أي طعام ولا بلّ ريقه بنقطة ماء.
في هذه الأثناء كان والداه يبحثان عنه في كلّ مكان، لم يدعا موضعًا إلا وبحثا فيه عنه، إلى أن بلغاه مغلقًا على نفسه في تلك القلاية، فلمّا رأياه اندهشا من حاله وأدركا أن ولدهما اختار الحياة النسكيّة، فتركاه لسعيه ومضيا، فسدّ أبراميوس الباب على نفسه ولم يترك إلا نافذة صغيرة تصله بالعالم كان القوم يأتونه ببعض الطعام من خلالها، بين وقت وآخر.
لم يطل به المقام حتّى ذاع صيته في تلك الإنحاء، فبدأ الناس يتوافدون عليه. كلّ يخبّر عنه، فيتقاطرون ليتأكّدوا مما سمعوه طالبين منه النصح، سائلينه البركة والدعاء. بعد وفاة والديه تركا له ثروة كبرى فبعث إلى صديق له طلب منه تدبير شؤون تلك الثروة بحيث تعود إلى الفقراء والأيتام وقفًا حتّى نفاذها.
في تلك المرحلة واجهت أسقف المنطقة التي كان أبراميوس ناسكًا فيها مشكلة كبرى إذ أن معظم سكانها كانوا مستغرقين في وثنياتهم، فجاء إليه الأسقف وطلب منه مساعدته في تبشير المنطقة، ترك القدّيس مكان إقامته وبنى كنيسة، غير أن الشعب لم يكن يأتي، وفي يوم دخل إلى هياكل الأوثان وحطّم الأصنام فانقضّ عليه الوثنيون وأشبعوه ضربًا ولكمًا وأخرجوه خارج البلدة، غير أنّه عاد إلى منتصف الليل ودخل الكنيسة وأقام فيها مصليًّا باكيًّا مسترحمًا الله على قساوة قلب هذا الشعب.
بقي القدّيس أبراميوس مدّة ثلاث سنوات يحتمل الاضطهاد والضرب والتعيير وكلّ إساءة يمكن تصوّرها من الوثنيين. وفي يوم كان لا بد لصلواته ودموعه أن تستجاب، لقد نفذت النعمة الإلهيّة إلى قلوب سكان البلدة فاعترفوا بإله أبراميوس إلهًا حقيقيًّا وحيدًا، فعمّدهم وعلّمهم الإنجيل سنة كاملة. ثم في ليلة تركهم وعاد إلى نسكه.
حارب الشيطان أبراميوس بعدما عاد إلى طريقة حياته، حاربه بكلّ الأسلحة الموفورة لديه. هاجمه بأفكار الكبرياء والمجد الباطل. حاول أن يوهمه أنّه قد بلغ من القداسة شأوًاعظيمًا فتكسّرت نصاله على صخرة تواضع القدّيس وصبره. رقد وهو بعمر السبعين بعدما أمضى خمسين سنة في النسك والجهاد.

القدّيسة أمنا البارة حنّة
ولدت في مدينة القسطنطنيّة في أيام الأمبراطور قسطنطين الخامس كوبرنيموس. كانت ابنة شمّاس، توفي والداها فربتها جدتها وزوجتها إلى أحد شبان المدينة انجبت ولدين لكنّها فقدتهما مع زوجها بعد فترة قصيرة، قوزّعت أموالها على الفقراء وخرجت بزي الرجال إلى جبل الاوليمبوس حيث ينسك عمّها متخذة اسم أفمانيوس. طرقت با أحد الأديرة وطلبت الانضمام إلى صفوف الرهبان بعدما ادّعت أنّها خصيّ فقبلوها على مضض بسبب خصوصية تصرف الخصيان بين الرجال. إلا أن الأيام بيّنت أن أوفيميانوس فاق أقرانه في جهادات الصوم والسهر والصلاة والطاعة والتواضع. ومع ذلك فإن حنّة كانت عرضة لتهكم بعض الرهبان وازدرائهم وسبب معثرة للضعفاء بينهم، فتحوّلت إلى دير صغير برفقة أثنين آخرين من الرهبان. وقد كان لفضائلها الأثر الكبير في نفوس العديد من الشبان الذين أقبلوا إلى الراهب أوفيميانوس طالبين الانضمام إلى الحياة الرهبانيّة والإنضواء تحت لوائه. أنعم الربّ عليها بموهبة صنع العجائب، رغم ذلك كلّه بقي ادعاء حنّة أنّها خصي مصدر اضطراب لها في صلاتها بالغير.
رتحلت من جديد برفقة راهبين إلى مكان معزول. رقدت في الربّ في مدينة القسطنطينيّة.

القديسة البارّة الشهيدة أنسطاسيّا الروميّة
عاشت القدّيسة أنسطاسيا (القرن الثالث) في مدينة رومية، أيام الأمبراطورين داكيوس وفاليريلنوس. وقد توفرت لها كل أسباب العيشة الرغدة، فتوة وغنى وجمالا، لكنها علقت بشباك السيّد واكتشفت اللؤلؤة الأثمن من سائر اللآلىء. فكان أن أنفقت قسمًا من أموالها على المسيحيّين المسجونيين لأجل إيمانهم ووزّعت الباقي على الفقراء، ثمّ اعتزلت، هي وبعض العذارى، وأقمن في بيت صغير في طرف المدينة. وقد كانت القيّمة عليهن امرأة مقتدرة اسمها صوفيا. هذه أنشأت العذارى على الشهادة اليوميّة للمسيحيّة، نسكًا وجهادًا ومحاربة للأهواء.
ولما شاع ذكر نسطاس (انسطاسية) بين المسيحيّين والوثنيّين معًا، -بين هؤلاء لجمال طلعتها، وبين أولئك لفضيلتها-، حرّك الشيطان بعض النفوس الصغيرة فأسرّوا إلى الوالي بروبس خبرها. فأرسل جنده وأتوا بها.
وقفت نسطاس (انسطاسية) أمام الوالي، صبيّة في العشرين من عمرها، بهيّة الطلعة، هادئة النفس، ساكنة المحيّا، فأُخذ بها. وإذ سألها ما إذا كانت حقًّا تتنكّر لآلهة الامبراطورية وتأبى أن تقدّم لها فروض الإكرام، أجابت بالإيجاب بثقة وبلا تردّد. فحاول الوالي استغلال الأمر لصالحه فلم يلق غير الخيبة. هدّدها فألفاها صامدة لا تلين. قام يتملّقها فلم تدع كلماته تنفذ إلى قلبها، ولا استجابت لمواعده. فأسلمها، إذ ذاك، للمعذّبين فلم تُبدِ أيّة علامة من علامات الخوف، هي التي اعتادت على الشهادة اليوميّة للمسيح من خلال النسك والجهاد ومحاربة أهواء النفس والجسد.
وأمعن الجلاّدون في تعذيبها إلى أن قطعوا هامتها بحدّ السيف ففازت بإكليل الشهادة. جاءت معلمتها، صوفيا، وأخذت رفاتها. وقد بقيت هذه الرفات على مدى العصور مصدرًا للبركة والتعزية. وهي محفوظة في معظمها، إلى اليوم، في دير القديس جاورجيوس في جبل آثوس.
ويرتبط بأسم انسطاسيّا اسمٌ آخر هو كيرللس. كان شاباً مسيحيّاً حضر تعذيبات أنسطاسيّا. فلمّا كانت الشهيدة غائصة في آلامها طلبت ماء فأسرع وسقاها، فكان نصيبه أن أضحى شريكًا في الشهادة إذ قطع الجند هامته هو أيضًا.

الطروبارية
+ لقد تلألأت بالنسك كعذراء شريفة ودبجت حلة النقاء بدماء الجهاد إلهيًا. لذلك يا أنسطاسيا بما أنك بارة وشهيدة لمعت في العالم بنعمة الشفاء، فأنت تتشفعين إلى المخلص من أجل نفوسنا.
+ لقد ظهرت على الأرض بالجسد مثل ملاكٍ. وصرت بالنسك كنخلةٍ مغروسة على المياه، متمتعاً بالإمساك، وغسلت الدنس بسيول عبراتك، لأجل هذا ظهرت مثمراً بالعجائب يا أبراميوس الإلهي.

GoCarch