٢ كانون أول – تذكار القدّيس حبقوق النبي – القدّيس البار كيرللس الفيلاوي – أثناسيوس الحبيس

March-3-2019

القدّيس كيرللس
القدّيس كيرللس من قرية تدعى فيلايا في مقاطعة تراقيا، على بعد حوالي أربعين كيلومترًا من مدينة القسطنطينية. أبدى منذ حداثته استعدادات ممتازة لدراسة الكتاب المقدّس وخدمة الله. جعله أسقف المحلة قارئًا وظنّ أنّه سينصرف إلى خدمة الكهنوت متى بلغ السن القانونيّة، لكنّه لم يفعل. تزوّج وأنجب أولادًا.
مارس في حياته الزوجيّة حياة تقشّف واعتمد في مأكله نظامًا صارمًا. عمل نوتيًّا على ظهر سفينة حاسبًا نفسه عبدًا للجميع كما لله. اعتاد أن يعتبر كلّ ما يصيبه من تدبير ربّه كما لتكون له فرصة التكفير عن خطاياه. بعد وفاة زوجته استقرّ في دير، راهبًا، كان أخوه ميخائيل قد أسّسه. انصرف هناك إلى خلوته، ثم تحوّل إلى الإهتمام بإرشاد الإخوّة في الدير وتعليمهم.
منّ الله عليه بموهبة صنع العجائب والتعليم. وقد استمرّ قاسيًا على نفسه طوال سني حياته، كما لو كان مبتدئًا. وإذ أكمل سعيه وامتلأ من الروح القدس رقد بسلام في الربّ في العام 1110م.

القدّيس أثناسيوس الحبيس
كان القدّيس أثناسيوس حبيسًا في دير الكهوف في مدينة كييف الأوكرانيّة. قصته أنّه بعدما سلك راهبًا ردحًا من الزمان وأرضى الله بسيرة نقيّة مرض ومات. جاءه الرهبان فغسلاه ولفّاه. بقي يومًا كاملاً دون ان يُدْفَنَ. كاتب سيرته قال أنّه كان فقيرًا ولا يملك شيئاً لذا لم يعبأ به أحد. والظاهر أنّه في دير الكهوف النظام كان ايديوريتميًا، أي إن كلّ راهب فيه كان مسقلاً بنفسه في أكثر الأمور ولا يلتقي بغيره إلا في السبوت والآحاد للإشتراك في الأسرار المقدّسة.
وفي أحد الليالي تراءى له إنسان لرئيس الدير وقال له: “إن رجل الله هذا بقي بلا دفن يومين، ولكني أقول لكم، أفرحوا!”. بادر الرئيس إلى حيث كان الرجل الميت، في اليوم التالي، ومعه الإخوة جميعهم، فوجدوا أثناسيوس جالسًا يبكي، فامتلأوا رعدة وسألوه: “كيف عدت إلى الحياة وماذا رأيت؟” فلم يجبهم فقط قال: “خلّصوا نفوسكم!” فاستمرّوا يلحّون عليه ليسمعوه منه كلمة منفعة، فقال لهم: “لو تكلمت لم تصدّقوني!” فأقسم له الإخوة قائين: “نعدك بأن نحفظ كلّ ما تطلعنا عليه”. قال: “أطيعوا رئيسكم في كلّ أمر، توبوا كلّ ساعة، صلّوا إلى الربّ يسوع المسيح وإلى والدته الكلية النقاوة ان تنجزوا أيامكم في هذا الموضع وأن تُحسبوا أهلاً لأنّ تُدفنوا في الكهوف بجانب الآباء القدّيسين. هذه المور أعظم كلّ الفضائل. فغذا أتممتم ما أوصيكم به فلا تنتفخوا والآن، لا تسالوني بعد، سامحوني، أتوسل إليكم!”. قال هذا وذهب إلى مغارته وأغلق على نفسه إثني عشر عامًا لم يتفوّه خلالها بكلمة واحدة لأحد. ولما حانت ساعة مفارقته، دعا الإخوة وأعاد عليهم ما سبق أن قاله لهم، وأضاف: “طوبى لمن يُحسب مستأهلاً لأنّ يدفن ههنا”. ولما قال هذا رقد بسلام في الربّ.
ثم إنّه بعد ذلك بزمن جيء بأخ من الرهبان كان يعاني من مرض مزمن في الكلى فلمّا مسّه جسد اثناسيوس شفي من ساعته. اسم الأخ كان كابيلا. وقد أفاد إنّه فيما كان ممدّدًا يصيح من الألم، إذ به يعاين أثناسيوس آتيًّا إليه وقائلاً: “تعال، أشفيك!”. وإذ كان بابيلا علىوشك أن يساله كيف ومتى اختفى من أمامه. إذ ذاك أدرك الإخوة أن أثناسيوس قد أرضى الله بسيرة حسنة. يُذكر أن صاحب السيرة لم ير ولا حتّى نور الشمس خلال الإثنتي عشرة سنة التي قضاها حبيسًا في الكهف ولا توقّف عن البكاء ليلاً نهارًا. كان لا يأكل من الطعام غير الخبز ولا يشرب غير الماء مرّة في اليوم.

حبقوق النبي
هو صاحب السفر الثامن من أسفار الأنبياء الإثني عشر الصغار. نكاد لا نعرف عنه شيئا محققا. اسمه مشتق من النبات المعروف ب”الحبق”، أو لعله يعني “أبا القيامة” إذا ما أخذنا برأي من يقلب الحاء ألفا والقاف الأخيرة ميما.
اسم حبقوق ورد في بداية الإصحاح الأول على هذا النحو: “الحمل الثقيل الذي كان لحبقوق النبي في رؤيا”. لاحظ عبارة “الحمل الثقيل” التي يشير بها الكاتب إلى النبوءة.
خارج السفر، هناك ذكر لحبقوق عند دانيال النبي (النص اليوناني المعروف بالسبعيني 14 :33 -39 ). يقول سفر دانيال إنّ حبقوق النبيّ كان في أرض يهوذا يعدّ طبيخا. وإذ أزمع أن يخرج به إلى الحصّادين، في الحقل، جاء ملاك الرب قائلا : “احمل الغداء الذي معك إلى بابل، إلى دانيال في جبّ الأسود”. فقال حبقوق : “إنّني لم أرَ بابل ولا أعرف الجبّ”. فأخذه ملاك الرب بشعره ووضعه في بابل عند الجبّ باندفاع روحه. فنادى حبقوق قائلا : “يا دانيال، يا دانيال، خذ الغذاء الذي أرسله لك الله”. فقال دانيال: “اللهمّ،لقد ذكرتني ولم تترك الذين يحبّونك”. وردّ ملاك الرب حبقوق من ساعته إلى مكانه.
في نبوءة حبقوق ما يشير إلى أنه نطق بها على مراحل. الدارسون يقولون أنها أمتدت من السنة 610 إلى ما بعد السنة 587 ق.م. زمن سقوط أورشليم في يد الكلدانيّين وسبي العديد من السكّان إلى بابل.
يندّد السفر بعدوّ خارجيّ هو ملك الكلدانيين لما يبديه من عنف وقتل ودمار، وكذلك بعدوّ داخليّ لعله يوياقيم، ملك يهوذا (609 -598 ق.م.) لظلمه.
يقع السفر في ثلاثة إصحاحات وست وخمسين آية، وهو في صيغة قصائد يطنّ الدارسون أنّها كانت تنشد في أحتفالات طقوسية.
من حيث الموضوعات، تتضمّن النبوءة ثلاث عناوين عريضة، أوّلها حوار بين النبيّ والله يبدو فيه حبقوق معاتبا لربّه متألّما متحيّرا. يسأل، وقد اتخذ مأساة شعبه: “إلى متى يا ربّ أستغيث ولا تستجيب، أصرخ إليك من الظلم ولا تخلّص؟” (1 :1 ) “لم تنظر إلى الغادرين ولم تصمت عندما يبتلع الشرّير من هو أبرّ منه، وتعامل البشر كسمك البحر، كزحّافات لا قائد لها؟” (1 :13 -14). وإذ يطرح حبقوق مشكلته يقف على محرسه، ينتصب على مرصد قلبه ويراقب (2 :1 ). ويأتيه الجواب :”الله حرّك الكلدانيّين (1 :6 ) والشعب لا ضمان له غير أمانته. بكلمات النبيّ نفسه : “النفس غير المستقيمة غير أمينة. أمّا البار فبأمانته (أو بإيمانه) يحيا “(2 :4 ).
هذا بشأن العنوان العريض الأول ، أمّا العنوان الثاني فجملة لعنات يسكبها النبيّ على الظالمين. هؤلاء كالموت لا يشبعون، لكن أفعالهم ترتدّ عليهم، وكما فعلوا يفعلون بهم (2 :7 -8) وعوض المجد يشبعون هوانا (2 :16) وأنّى بلغ شأن الممالك او الشعوب فإنّما يتعبون للنار ويجهدون للباطل (2 :13 ) لأنّ ربّ القوّات هكذا رسم.
أما العنوان العريض الثالث للنبوّة فمزمور يعلن فيه حبقوق أنّ الله آتٍ وسيهشّم رأس بيت الشريّر (3 :13 ). لذا يتهلّل حبقوق ويفرح ويعلن كما في القديم :”الربّ الإله قوّتي وهو يجعل قدمّي كالأيائل ويمشّيني على مشارفي (3 :19).
كنسيًّا، احتلّ حبقوق مكانًا مرموقًا بين الأنبياء من حيث إنباؤه بتدبير الله الخلاصيّ بالرب يسوع المسيح. فالفصل الثالث من سفره جعلته الكنيسة تسبحة من تسابيح صلاة السحر، الرابعة ترتيبًا، وعنونته هكذا: “صلاة حبقوق النبيّ: يا حبقوق، قلْ عن تنازل الكلمة :المجد لقدرتك يا رب ” وهي تنشد له في قنداق هذا اليوم (2 كانون الأول): “أيّها النبيّ الملهم من الله. لقد أذعت في كلّ المسكونة أنّ الله يأتي من الظهيرة، أعني من العذراء مريم ومن نصف الليل حين سهرت أمامه. وقد أعلنت للعالم قيامة المسيح كما تلقنتها من ملاك نورانيّ. لذلك نشدو إليك بغبطة وسرور: إفرح يا كنز النبوءة البهيّ ”
من المفيد أن نعرف أنّه إلى حبقوق، كما إلى أشعيا (11 :9)، يُعزى القول أنّ الأرض ستمتلىء من معرفة مجد الرب كما تغمر المياه البحر (2 :14 )، وأنّ أصل التقليد عن الثور والبقرة في مزود بيت لحم يعود إليه (3 :2). كما يعود إلى اشعياء (1 :3 ).

الطروبارية
+ إننا معيّدون لتذكار نبيّك حبقوق، وبه نبتهل إليك يا رب، فخلّص نفوسنا

GoCarch