٤ كانون أول – القدّيسين أبينا البار يوحنا الدمشقي والعظيمة في الشهيدات بربارة – والقدّيس يوحنا أسقف بوليبوت في فيرجيا السعيدة (آسيا الصغرى).

March-3-2019

القدّيس يوحنا أسقف بوليبوت
القدّيس يوحنا هو قدّيس معترف وصانع عجائب. عاش في زمن الأمبراطور لاون الإيصوري. تمسّك بإكرام الإيقونات المقدّسة وواجه اضطهادات الأمبراطور له. رقد بسلام في الربّ وبقي جسمه محفوظًا، دون أن يفسد، في كنيسة المدينة يصنع العجائب. كانت هناك عادة في المدينة، في كلّ عنصرة، أن يُخرج المؤمنون جسد القدّيس من الصندوق الموضوع فيه وأن يلبسوه حلّته الكهنوتيّة ويرئّسوه القداس الإلهي بصمت وكان يبقى مستقيمًا في جلسته طيلة فترة الخدمة الإلهيّة. كما يحكى أنّه عندما استولى المسلمون على مدينة عموريّة المجاورة، سنة 838م، شاؤوا أن يدنّسوا مقامه فضربتهم آلام وضيقات متنوعة، ولم يشفوا إلا بعدما سألوا الصفح.

القدّيسة الشهيدة العظيمة في الشهيدات بربارة
ولدت بربارة في مدينة نيقوميدية. وكان ابوها ديوسيقورُس غنياً وثنياً متعصّباً. فأحسن تربيتها بالعلوم والآداب. وبما أنّها كانت رائعة الجمال وضعها في برج حصين، وأقام من حولها الأصنام لتظلّ متعبّدة للآلهة.
فأخذت تتأمّل في هذا الكون وتبحث عن مبدعه. ولم ترَ في الأصنام سوى حجارة صُم لا يرجى منها خير. فأتاح لها الله أن اتصلت بالمعلّم فالنتيانوس فأخذ يشرح لها أسرار الديانة المسيحيّة وتعاليم الإنجيل السامية. فأذعنت بربارة لهذا المرشد الحكيم وآمنت بالمسيح وقبلت سرّ العماد المقدّس، ونذرت بتوليتها للرب يسوع .وكانت مثابرة على الصلاة والتأمّل وقراءة الكتب المقدّسة. وامرت خدامها، وبينهم مسيحيون، بتحطيم ما حولها من الأصنام. غضب أبوها واوسعها شتماً وضرباً وطرحها في قبو مظلم، فقامت تصلّي إلى الله ليقويها على الثبات في إيمانها. وفي الغد اتى بها ابوها، مكبّلة بالسلاسل، إلى الوالي مركيانوس. فاستشاط الوالي غيظاً من ثباتها في الإيمان بالمسيح، وأمر بجلدها بأعصاب البقر، فتمزّقَ جسدها وتفجرّت دماؤها، وهي صابرة صامته. ثم طرحوها في السجن، فظهر لها السيد المسيح وشفاها من جراحها. وفي الصباح رآها الحاكم صحيحة الجسم مشرقة الوجه، فابتدرها قائلاً: ان الآلهة شفقت عليها وضمّدت جراحها. فأجابت: “ان الذي شفاني هو يسوع المسيح ربّ الحياة والموت”. فتميّز الحاكم غيظاً وأمر بجلدها ثانية حتى تناثرت لحمانها. ثم أمر بقطع رأسها فتمت شهادتها عام 235.

أبينا البار يوحنا الدمشقي
خدمتنا الليتورجية، في هذا اليوم المبارك، تكرمه راهبا افتقر كمعلمه، وهو رجل الغنى والمجد العالميين، وانصرف عن الدنيا تاركا اضطراب هذه الحياة وشواشها وجادا في طلب سكون المسيح. أخضع جسده بأعراق النسك الكثيرة وطهّر مشاعره بمخافة الله فأضحى مواطن الصحراء وقاهر الشرّير وارتقى إلى المعالي السماوية مستغنيا بالعمل والثاوريا (المعاينة الإلهية). وقد جارى بأناشيده الأجواق السماوية، ووضع نظام أنغام الموسيقى، فأستحق اسم داود، صاحب المزامير. كما نقّض البدع ودافع عن الإيمان وسلّم الكنيسة المعتقد القويم، وبسط التعليم الصحيح بشأن الإيقونات المقدّسة فاستحق، كلاهوتي، أن يدعى رسولا حبيبا. ولقوة مؤلفاته فاق كل الحكماء الذين سبقوه. وهو كموسى ولج غيمة الروح القدس الأسرار الإلهية ومدّها لنا بلغة متناغمة. لذا أضحى مستحق التعجّب لأننا به عرفنا أن نمجّد الإله الكلي الصلاح.
أعرق الشهادات بشأن القدّيس البار يوحنا الدمشقي تفيد أن أول جامع لسيرته هو الراهب الكاهن ميخائيل السمعاني الأنطاكي. وقد أخرجها بالعربية سنة 1085 م فيما تنسب النسخة اليونانية إلى بطريرك أسمه يوحنا ، لعله السابع الأنطاكي (1088 – 1106 م).
لا نعرف بالتأكيد أصل عائلة القدّيس يوحنا. بعض المصادر يقول إنه بيزنطي وبعضها سرياني فيما تبرز أهم الدراسات أنه عربي أبن عربي. دعي في الأساس منصور بن سرجون. ولعله أصلا من بني تغلب. أستوطنت عائلته دمشق قبل القرن السادس للميلاد وكانت على رفعة في المقام والمنصب.شغل جدّه منصور مركز مدير المالية العام وتبوأ حاكمية دمشق في زمن الأمبراطور البيزنطي موريس (موريق) (582 – 602 م) وحتى هرقل (610 – 641 م). ويبدو أنه هو الذي فاوض العرب على تسليم دمشق بعدما هجرت الحامية البيزنطية مواقعها وتركت الدمشقيين لمصيرهم.أما والده سرجون فولاّه معاوية بن أبي سفيان ديوان المالية، في سورية أولا ثم في سائر أرجاء الدولة الأموية. وقد أستمر في وظيفته إلى خلافة عبد الملك بن مروان (685 – 705 م)، أي ما يزيد على الثلاثين عاما كان خلالها زعيم المسيحيين في دمشق.
إلى ذلك يبدو أن أثنين من عائلة منصور شغلا الكرسي الأورشليمي في القرن التاسع للميلاد بشهادة سعيد بن البطريق (877 -941 م).
كان مولد يوحنا في مدينة دمشق مابين العامين 655 و660 للميلاد. دعي منذ القرن التاسع “دفّاق الذهب”أو “مجرى الذهب”،- هو أسم نهر بردى في الأساس – بسبب النعمة المتألقة في كلامه وحياته. تتلمذ هو وأخ له بالتبني،أسمه قزما، لراهب صقيلّي كان واسع الإطلاع، محيطا بعلوم عصره. وكان اسم الراهب قزما، أيضا، فك سرجون، والد يوحنا أسره من قراصنة أتوا به إلى دمشق.
ملّك يوحنا الفلسفة اليونانية فطوّعها، فيما بعد، لإيضاح الإيمان الأرثوذكسي. عاش أول أمره، عيشة الدمشقيين الأثرياء السهلة وكان من رواد البلاط الأموي بالنظر إلى مكانة والده عند الخلفاء. ربطته بيزيد بن معاوية صداقة حميمة وكان يتحسّس الشعر ويتذوقه وتهتز مشاعره لدى أحتكاكه بشعراء الصحراء. ويرى عدد من الدارسين أن بعض تآليفه تأثرت بهذا الاحتكاك، لا سيّما أناشيده وقوانينه. كما أكتسب من رفقته بيزيد معرفة القرأن والديانة الإسلامية.
هذا ويظهر أن يوحنا شغل منصبا إداريا رفيعا في زمن الأمويين. وإن كنا لا نعرف تماما ما هو. قد يكون أمينا للأسرار أو مستشارا أولا. وقد أقام على هذا النحو زمانا إلى أن نفخت رياح التغيير فاخذ الحكّام يضيّقون على النصارى. ولما أصدر الخليفة عمر الثاني (717 -720 م) قانونا حظّر فيه على المسيحيين أن يتسلّموا وظائف رفيعة في الدولة ما لم يسلموا، تمسك يوحنا بإيمانه وتخلى عن مكانته. ولعل هذا هو السبب الأول في زهده في الدنيا وانصرافه عنها إلى الحياة الرهبانية في دير القدّيس سابا القريب من أورشليم.
هذا ويحكى أنه لما أندلعت حرب الصور الكنيسة في الأمبراطورية البيزنطية، واتخذت الدولة منها، بشخص الأمبراطور لاون الإيصوري (717 – 741 م)، موقفا معاديا، باشرت حملة واسعة لتحطيمها وإزالة معالمها وإشاعة موقف لاهوتي رافض لها وقد سعى الأمبراطور جهده لحمل الأساقفة، بالترغيب والترهيب، على الإذعان لرغبته. وكانت النتيجة أن خفتت أكثر الأصوات المعارضة، المتمسكة بالإيقونات. يومذاك هبّ القدّيس يوحنا الدمشقي، وكان، حسبما نقل مترجمه، ما يزال بعد في العالم، مدافعا عن الإيقونات وإكرامها فكتب وبعث برسائل عديدة في كل إتجاه، حتى قيل أنه أشترك في أعمال المجمع الأورشليمي المنعقد لهذه الغاية، وحضّ على المجاهرة بهرطقة الأمبراطور وقطعه. ولما كانت سوريا وفلسطين خارج الفلك البيزنطي فقد حاول لاون الملك أن يخنق صوت الدمشقي عن بعد وبالحيلة. لهذا أستدعى أمهر الخطّاطين لديه وطلب منهم أن ينسخوا له رسالة كتبها زورا كما من القدّيس إليه وأن يجعلوا الخط في الرسالة مطابقا، قدر الإمكان، لخط الدمشقي. مضمون الرسالة كان الإستعانة بالأمبراطور على الخليفة. وأرفق لاون الرسالة المزوّرة بأخرى شخصية عبّر فيها للخليفة عما أسماه”صفاء المحبة بينهما وشرف قدر منزلته عنده”. وأردف بالقول إنه إذ يرغب في تأكيد المحبة والصلح بينه وبين الخليفة يرسل إليه صورة الرسالة التي أنفذها إليه عامل الخليفة يوحنا.
فلما اطّلع الخليفة عمر بن عبد العزيز على الرسالتين أستبدّ به الغضب الشديد وأرسل في طلب يوحنا وواجهه بهما، فدافع قدّيسنا عن نفسه، ولكن دون جدوى، فأمر الخليفة السيّاف بقطع يد القديس اليمنى وتعليقها في ساحة المدينة العامة.
وبالحيلة أستردّ يوحنا يده المقطوعة متذرعا بضرورة دفنها لتهدأ آلامه التي لا تطاق. فأخذها ودخل بها إلى بيته وارتمى عند إيقونة لوالدة الإله جاعلا اليد المقطوعة على مفصلها، وصلّى بدموع غزيرة لتردّها له والدة الإله سالمة. وفيما هو مستغرق في صلاته غفا، وإذا بوالدة الإله تتراءى له في الحلم قائلة:”ها إن يدك قد عوفيت الآن، فاجتهد أن تحقّق ما وعدت به بدون تأخير”. فاستيقظ يوحنا من النوم ليكتشف أن يده قد عادت بالفعل صحيحة وموضع القطع ظاهر عليها كخط أحمر.
يذكر أن سائحا مرّ بدمشق في القرن السابع عشر ونقل ما يبدو أنه كان متداولا في ذلك الزمان أن المعجزة قد تمّت بواسطة إيقونة سيدة صيدنايا العجائبية.
إثر الأعجوبة، كما ورد في التراث، حاول الخليفة أستعادة يوحنا ووعده بإكرامات جزيلة، ولكن قدّيسنا كان قد زهد في الدنيا وتشوّف إلى الحياة الملائكية. وقد ترك هو وأخوه بالتبني، قزما، دمشق ووجّها طرفهما ناحية دير البار سابا المتقدس، بعدما وزّع أمواله على الفقراء والمحتاجين وصرف سائر شؤونه الدنيا.
كان يوحنا، في ذلك الزمان، رجلا ذائع الصيت، لهذا استقبله رهبان دير القديس سابا بفرح، لكنهم خشوا أن يكون إقباله على الحياة الرهبانية مجرد نزوة. ولما كانوا عارفين بعمق ثقافته العالمية فقد تردّدوا الواحد تلو الآخر في تحمل مسؤولية رعايته على السيرة النسكية. أخيرا قبله شيخ جليل متقدم في السن. فلما أقبل يوحنا إليه بادره بالقول :”يا أبني الروحي، أرغب إليك أن تقصي عنك كل فكر دنيوي وكل تصرّف أرضي. إعمل ما تراني أعمله، ولا تتباه بعلومك. إن العلوم الرهبانية والنسكية لا تقل أهمية عنها، لا بل تعلوها مقاما وفلسفة. أمت ميولك المنحرفة وتصرّف بخلاف ما يرضيك، ولا تقدم على عمل دون موافقتي وطلب نصيحتي. لا ترسل أحدا إنس العلوم البشرية التي تعلمتها كلها ولا تتحدّث عنها مطلقا” فسجد له يوحنا وطلب صلاته وبركته ليكون له الله على ما ذكر معينا.
سلك قدّيسنا في ما وعد به بكا غيرة وأمانة إلى أن رغب معلمه في إمتحانه يوما ليرى مقدار تمسكه بنذر الطاعة، فقال له :”يا ولدي الروحاني، قد بلغني أن عمل أيدينا الذي هو الزنابيل مطلوب بدمشق، وقد اجتمع عندنا منها شيء كثير. فقم اذهب إلى مدينتك وخذها معك لتبيعهاوتحضر لنا ثمنها لأحتياجنا إليه في النفقة”. فحمّله إياها ورسم له ضعفي ثمنها لئلا يتيسّر له بيعها بسرعة. فلما خرج أرسل له الرب راهبين آخرين منطلقين إلى دمشق فساعداه على حمل الزنابيل. ولما وصل إلى السوق لم يصادف من يشتريها منه لغلاء ثمنها. وفيما هو جائل حائر في أمره، رأه بعض خدمه ممن كانوا له في العالم، فعرفوه ولم يعرفهم، فرقّوا له وأخذوا منه زنابيله بالثمن الذي طلبه. فعاد يوحنا إلى معلمه وقد ظفر بإكليل الغلبة على شيطان الكبر والعظمة.
وحدث مرة أن رقد بالرب أحد الشيوخ الرهبان وكان جارا ليوحنا،فحزن أخوه في الجسد عليه حزنا شديدا، وكان هو أيضا راهبا. فجاء إلى يوحنا وسأله أن ينظم له طروبارية تسليه عن غمّه، فاعتذر يوحنا لأنه لم يشأ أن يخالف الشيخ معلمه في ما وضعه عليه. لكن الراهب أصرّ بالقول:”ثق أني لن أبوح بها ولن أرتلها ألاوأنا وحدي ” وظلّ عليه حتى أخرج له طروبارية. وفيما كان يلحنّها، أدركه معلمه الشيخ فقال له “أبهذا أوصيتك؟ هل أمرتك أن تزمّر أم تنوح وتبكي؟ ” فأخبره يوحنا بما جرى له وسأله الصفح فامتنع قائلا:”أنك منذ الآن لا تصلح للسكنى معي، فانصرف عني بسرعة”. فخرج قدّيسنا من عند الشيخ حزينا وجال على الرهبان يتوسّط لديهم، فلما أتوا إلى الشيخ سألوه أن يسامحه فأبى، فقالوا له:”أما عندك قانون تؤدبه به لتصفح عنه”فقال:”أجل، إذا ما حرّر مستخدمات(مراحيض) مشايخ الرهبان ونظفّها”، فانصرف الآباء من عنده مغمومين لأنه لم يسبق لهم أن سمعوا بقصاص كهذا، فلما أتوا إلى يوحنا، أستوضحهم الأمر فأجابوه، بعد لأي، بما قاله لهم الشيخ. فقام لتوه قائلا :”هذا الأمر سهل فعله عندي، متيسّر عليّ”. ثم أخذ قفة ومجرفة وبدأ بالقلاّية الملاصقة لقلاّيته. فلما بلغ الشيخ ما صنعه تلميذه بادر إليه على عجل وأمسكه بكلتا يديه وقبّل رأسه وعينيه وقال له :”ثق يا بني لقد أكملت الطاعة وزدت عليها وليست بك حاجة بعد إلى أكثر من ذلك، فهيا إلى قلايتك على الرحب والسعة”.
ومرّت أيام ظهرت بعدها والدة الإله القدّيسة لمعلم يوحنا في الحلم وقالت له:”لماذا، ايها الشيخ، تمنع الينبوع عن أن يفيض ويجري؟!فإن تلميذك يوحنا عتيد أن يجمّل كنيسة المسيح بأقواله ويزيّن أعياد الشهداء وكافة القديسين بترنيماته الإلهية فأطلقه… لأن الروح القدس المعزي يجري على لسانه”. فلما أطل الصباح قال الشيخ لتلميذه:”يا أبني الحبيب الروحاني، أذا ما حضرك منذ الآن قول تتكلم به فلا مانع يمنعك لأن الله سبحانه يرضاه ويهواه. فافتح فمك وقل ما تلقنك إياه النعمة الإلهية”. من ذلك اليوم صار القدّيس يضع القوانين الليتورجية والاستيشيرات والطروباريات وسواها. ربيبه في عمله هذا كان أخاه بالتبني قزما. ويبدو، كما يؤكد كاتب سيرته، أن المحبة الإلهية كانت وافرة بين الأثنين ولإنه لم يعرض لهما أن غلبهما الحسد مدة حياتهما.
ستفاد من أخبار القدّيس يوحنا أن بطريرك أورشليم أستدعاه بعد سنوات من حياته الديرية ثبت خلالها في الاتضاع و الطاعة وسامه كاهنا رغم تمنّعه. فلما عاد إلى الدير زاد على نسكه نسكا.
يذكر أن يوحنا تلقى العلوم المقدّسة لا في دمشق بل في الدير ولدى بطريرك أورشليم أيضا. هو نفسه ذكر أن معلميه كانوا من رعاة الكنيسة.
مذ ذاك أصبح يوحنا واعظ المدينة المقدّسة، يقيم في ديره ثم يخرج إلى القدس وهي قريبة، ليتمم خدمته في كنيسة القيامة. وقد بقي لنا من مواعظه تسع أمتار فيها بالبلاغة والإبداع وقوة المنطق واقتدار الحجة وغنى العقيدة.

وإلى جانب الكهانة والوعظ أهتم قدّيسنا بالتدريس. وثمة ما يشير، في نآليفه العقائدية والجدلية، إلى أن بعضها على الأقل دروس شفهية التقطها الكتّاب ودوّنوها.
هناك أربعة مجالات كنسية أساسية كانت للقدّيس يوحنا الدمشقي فيها إسهامات جليلة جزيلة القيمة:
الأول عقائدي.للقدّيس فيه بضع مؤلفات أهمها كتاب” ينبوع المعرفة” الذي يشتمل على ثلاثة أبواب، أحدها فصول فلسفية هي بمثابة توطئة للعرض اللاهوتي وتحديدات لبعض الفلاسفة الأقدمين وآباء الكنيسة. يلي ذلك باب الهرطقات الذي هو عبارة عن توطئة لاهوتية تاريخية يتناول فيها مئة وثلاثة تعاليم دينية زائفة وانتشارها. وأخيرا بيان الإيمان الأرثوذكسي الذي قسمه إلى مئة فصل أو مقال.
الثاني جدلي دفاعي .هنا كتب قدّيسنا ضد هرطقات زمانه كلها:”النسطورية والطبيعية الواحدة والمشيئة الواحدة والمانوية وبدعة محطمي الإيقونات. كما وضع الخطوط العريضة لطريقة الجدل مع المسلمين وترك نبذة ضد الخرافات الشعبية. أهم هذه الكتابات مباحثه الثلاثة الدفاعية ضد الذين يرذلون الإيقونات المقدّسة.
الثالث ليتورجي. هنا يعزى إليه إرساء أسس كتاب المعزي وتأليف العديد من الستيشيرات والبروصوميات والإذيوميلات والكاثسماتات والطروباريات والقناديق والقوانين الكنسية بالإضافة إلى دور أكيد في تحرير تيبيكون دير القدّيس سابا.
الرابع موسيقي. فيه نظّم ووضع قسما كبيرا من موسيقى كتاب المعزي ولحّن العديد من القوانين والطروباريات وساهم في وضع نظام العلامات الموسيقية.
ولا بد من كلمة بشأن دفاع القدّيس يوحنا عن الإيقونات لاهوتا. فالحق أن قدّيسنا هو الذي وضع الأسس اللاهوتية للدفاع عن إكرام الإيقونات، وهو ما تبنّته الكنيسة وبنت عليه عبر العصور. يستند لاهوت الإيقونة عنده إلى ثلاثة قواعد أساسية.
لا نقدر أن نمثّل الله حسيا لأنه روح محض لكننا نقدر أن نمّثّل الرب يسوع المسيح ووالدة الإله والقدّيسين وحتى الملائكة الذين ظهروا على الأرض بأجساد. فالكتاب المقدس لا يمنع تكريم الصور بل عبادة الأوثان.
إن الإكرام الذي نقدمه للإيقونات إنما نقدمها لأصحابها المرسومين عليها، لا إلى الخشب والألوان، وهو يرجع في كل حال إلى الله الذي هو مصدر كل خير في القدّيسين. ونؤكد كلمة “إكرام” لأننا نميّز بين الإكرام والعبادة التي لا تليق إلا بالله وحده.

ثم إن لإكرام الإيقونات منافع جزيلة. فالصور ظاهرة إنسانية نذكر من خلالها نعم الله علينا. وهي بمنزلة كتاب للعامة تمدّ إليهم أسرار الله وإحساناته وحضوره، وتحرّض على إقتفاء سير القدّيسين
رقاده
أمضى القدّيس يوحنا ثلاثين سنة من عمره في الدير.ولعله لم يعد إلى دمشق خلال ذلك إلا مة واحدة. كان رقاده بسلام في الرب، في شيخوخة مخصبة بالصالحات، أغلب الظن، بين العامين 749 و750 للميلاد.جمع في نفسه، على نحو متناغم، قداسة الراهب وعمق اللاهوتي وغيرة الرسول وإلهام المنشد وموهبة الموسيقى. فاستحق إكرام الكنيسة له جيلا بعد جيل، أبا ومعلما.
بقيت رفاته في الدير إلى القرن الثاني عشر حين جرى نقلها إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة جميع القدّيسين القديمة بجانب القدّيسين يوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. يذكر أن اللاتين نهبوا هذه الكنيسة عندما دخلوا القسطنطينية سنة 1204 . كما هدمها الأتراك سنة 1463 .
وقد أعلن المجمع المقدس السابع (787 م) قداسة يوحنا واعتبره “بطل الحقيقة”.

الطروبارية
+ هلمّوا نمتدح البلبل الغرّيد، الشجيّ النغم، الذي أطرب كنيسةَ المسيح وأبهجها بأناشيده الحسنة الإيقاع الطليّة، أعني به يوحنّا الدمشقيّ الكليّ الحكمة زعيم ناظمي التسابيح، الذي كان مملؤاً حكمة إلهيّة وعالميّة
+ لقد صِرتِ بمجد الثالوث كارزةً حين أحدثتِ في البناءِ ثلاثة نوافذ بحكمة وإذ جاهدتِ بإشراقٍ بما أنكِ بتولٌ مجيدة. يا بربارة المعظمة في الشهداء. قلا تزالي متشفعة إلى الرب ليرحم نفوسنا.

GoCarch