٩ تشرين الثاني – تذكار القدّيسين الشهيدين أونيسيفوروس وبرفيريوس – والقدّيس أبينا البار نكتاريوس العجائبي أسقف المدن الخمس – والقدّيسة أمّنا البارة ثيوكتيستي – أمنا البارة مطرونية الحمصية.

March-2-2019

القدّيسة ثيوكتيستي
نشأت القدّيسة ثيوكتيستي في جزيرة ليسبوس. نزل القراصنة الجزيرة مرّة، على غرّة، فاستولوا على ما طالته أيديهم، كما استاقوا عددًا من سكان الجزيرة أسرى طمعًا في بيعهم رقيقًا. وفي طريق العودة شطّطوا في جزيرة باروس ليفحصوا الغنيمة، هناك خطر ببال ثيوكتيستي أن تهرب، فتغلّغلت بين الأشجار الغضّة. بحث عنها القراصنة فلم يجدوها فقفلوا عائدين. أمّا ثيوكتيستي فلجأت إلى كنيسة مهجورة، كان عمرها يومذاك ثمانية عشر ربيعًا. عاشت في الجزيرة ثلاثين سنة لم تر فيها إنسانًا البتة، ولا تحدّثت إلى غير ربّها ووالدته. التقاها صياد نزل الجزيرة كانت قد استحالت شبه شبح: بيضاء الشعر، محروقة الوجه، سوداء من لهيب الشمس، وطبقة من الجلد المتموّج القاسي تغطي عظامها واعضاءها. كلّ كثافة البدن كانت قد زالت. كانت عارية وتغطّت برداء الصيّاد. سألته أن يأتيها بالقدسات، ثم بعد أيّام رقدت في الربّ بسلام. كان ذلك في العام 881 للميلاد.

القدّيسين الشهيدين أنيسيفوروس وبرفيريوس
بالرغم من أنّ ثمّة مصادر تؤكد أنّ أونيسيفوروس الشهيد هو إيّاه أونيسيفوروس الوارد ذكره مرتين في رسائل القدّيس بولس الرسول (2 تيمو 1: 16 و4 :19) وأنّ برفيريوس واحدٌ من الرسل، فإنّ الرأي عندنا هو أنّهما عاشا في غير زمن الرسول بولس، وأنّهما استُشهدا في زمن الأمبراطورين ديوكليسيانوس ومكسيميانوس. ويبدو أنهما مثلا لدى حكّام ذلك الزمان، فأعترفا بالربّ يسوع المسيح بكلّ جسارة، وإن لا إله إلاهُ ولا ملكاً حقيقيًّا سواه، وقد كابدا على الأثر ألوانًا شتى من التعذيب، فضُربا ضرباً مبرحاً وشويا شيّا. في كلّ ذلك كانا يسبّحان الله مبديَين في آلامهما غبطة من غير هذا العالم. وقد أثار مشهدهما حفيظة معذّبيهما إذ بدا لهم وكأن الشهيدين يستهينان بتدابيرهم كما لو كانت على غير جسديهما. فما كان منهم سوى أن أوثقوهما بأرجلهما إلى خيول جامحة أطلقوها، فراحت تعدو مناطحةً الريح، فيما انسحب جسدا القدّيسين سحبًا، تارةً فوق الأتربة وتارة بين الحجارة وتارة بين الأشواك. وقد أدى ذلك كلّه إلى تمزّق جسديهما تمزيقا.
وبعدما أُسدل الستار على الفصل الخير من استشهادهما، جاء بعض الأتقياء ورفعوا أشلاءهما وواروها الثرى. وثمّة من يقول أنّ رفاتهما أودعت ناحية المدن الخمس الليبيّة.

أمنا البارة مطرونية الحمصية
ولدت القدّيسة مطرونة في برجة في بمفيلية آسيا الصغرى أيّام الأمبراطور البيزنطيّ مرقيان (450م -457م). وقد عمد ذووها وهي في أوائل العقد الثاني من عمرها إلى إعطائها زوجة لرجل لامع أسمه ضومط. ويبدو أنها أنجبت منه بنتا سمّياها ثيودوتي وأنتقلت وإياه إلى مدينة القسطنطينية وهي في الخامسة عشرة من عمرها.
في القسطنطينية ألتقت مطرونة سيّدة مرفّهة راقية تدعى أفجانيا فتحابا وتصادقا لا سيما وأنه كان لهما فكر واحد وتوق واحد إلى القداسة، فكان كل منهما للآخر تعزية من الله وتشديدا.
ولاحظ ضومط أن زوجته تكثر من الخروج من البيت فساورته الشكوك بشأنها وحرّم عليها مغادرة المنزل أطلاقا. وقد آلمها زوجها أشد الألم لكنها أعتصمت بالصبر ولازمت الصلاة سائلة المعلم ألتفاتة وأن يمن عليها بتحقيق منية قلبها أن تنصرف إلى وجهه تماما.
وإن هي سوى أيام حتى أذن لها زوجها بالخروج إلى الكنيسة. وهناك ألتقت إحدى العذارى، المدعوّة سوسنة. هذه أرتضت أن تتعهد أبنتها ثيودوتي. أما مطرونة فقامت إلى ثوب للرجال تزيّت به وغيّرت هيئة وجهها وفرّت من منزل زوجها متخذة بابيلا أسما مستعارا لها ومدعية أنها خصي.
وجهة مطرونة كانت دير القدّيس باسيان في المدينة العظمى. هناك أنخرط بابيلا في مصاف طلاب الحياة الملائكية راهبا. وما لبث، بعد مدة يسيرة، أن أضحى نموذجا يحتذى في الطاعة والأتضاع والصبر والصلاة وسائر أتعاب الرهبنة.
ولكن، ما كاد يمضي بعض الوقت حتى عرف باسيان، ربما بالكشف الإلهي، أن بابيلا ليس سوى امرأة، فخاف على الشركة. ولما كان يدّخر لها أعتبارا وتقديرا كبيرين، لم يشأ أن يخلّيها صفرة اليد فاشار إليها بالذهاب إلى دير للعذارى في مدينة حمص السورية.
في حمص أستمرت مطرونة تنمو في النعمة والقامة. وكانت كلّما ترسّخت في حياة الفضيلة أزدادت حرصا على إخفاء أمرها وفضائلها. ولكن شهرتها ما لبثت أن ذاعت فقامت إلى أورشليم ومنها إلى بيروت، هربا.
وفي بيروت أتخذت مطرونة هيكلا وثنيا مهجورا ملاذا لهازوقد أثار نزولها في المكان جنون الشياطين لأنهم أعتبروا الموضع خاصا بهم. لكن، لم يتسلل الخوف، بنعمة الله، إلى نفس مطرونة، بل ثبتت صائمة مصلية وكأن هجمات الشياطين وزئيرهم عليها لا يعنيها. ولكي تتمكّن قوات الظلمة من خداعها عمدت في مرحلة لاحقة إلى إدعاء التقوى فكانت تشارك مطرونة التسابيح خلال الخدمة. غير أن العناية الإلهية كشفت لعيني هذه المجاهدة الكبيرة حيل الأبالسة ضدها. وهكذا نجت من فخاخ العدو ومجّدت الله.
ثم بعد حين بدأ بعض النسوة الوثنيات يأتينها مأخوذات بمثالها، يسألنها أن يعتمدن وينضوين تحت لوائها .
أقامت مطرونة في بيروت، هي وتسعة من التلميذات، أشهرا وربما بضع سنوات. وقد ذكر البطريرك مكاريوس الزعيم في مؤلفه “قدّيسون من بلادنا” أنها “أستنبعت بصلاتها الماء العذب الموجود الآن في مدينة بيروت”. والحديث هو من القرن السابع عشر.
ومن بيروت عادت مطرونة إلى القسطنطينية حيث أقامت في قلاية قريبة من دير القدّيس باسيان. ثم أستدعت، بعد حين، راهباتها في بيروت. ويبدو أن صيتها ذاع، من جديد، في وقت قصير فأخذت النسوة التقيات، لا سيما من طبقة النبلاء، يتدفقن عليها لينتفعن من إرشادها وينلن بركتها. وقد تركت عدة نبيلات العالم وأتين إليها مقتبلات حياة الفقر والطاعة تحت جناحيها. هؤلاء النسوة حملن معهن أموالا وعطايا جزيلة أستخدمتها القدّيسة في بناء دير ما لبث أن أضحى أهم الأديرة في المدينة.
عاشت مطرونة ما يقرب من مئة عام. ويبدو أنها حافظت على مستوى نسكها حتى الأخير. وقد عرفت بيوم وفاتها سلفا فعزّت بناتها بأخبار الفردوس الذي منّ عليها الرب الاله بمشاهدته. ثم ودعتهن ورقدت بسلام.

القدّيس أبينا البار نكتاريوس العجائبيّ أسقف المدن الخمس (ليبيا)
ولد القديس نكتاريوس واسمه (انستاس كيفالاس) في تراقيا الجنوبية في 1/10/1846م. نشأ في عائلة كبيرة وفقيرة، وكانت والدته وجدته تغلقان الستائر كل ليلة كيلا ينظر الأتراك القنديل مضاء في غرفة الأولاد، حيث كان الجميع يجثون أمام الأيقونات الشريفة ويصلّون. كانت جدته تحبه كثيراً لانه كان يشبه الملاك، شديد الرغبة على متابعة دروسه ويستهوي الإنجيل والمزامير، وكانت تساعده كثيراً في تعلم الصلاة وأعطته صليباً خشبياً كان أغلى ما يملك.
في الثالثة عشر من عمره سافر إلى القسطنطينية كي يتعلم، وعمل حمالاً ثم عاملاً كي يؤمن لقمة العيش، ثم بدأ يعمل في حقل الكنيسة، فصار يُعلّم الصغار الحروف الأبجدية ويتابع تعليمه بنفس الوقت ليصبح مدرساً. لم تكن مغريات المال تلفت انتباهه. ساعدته الدراسة والحياة الداخلية والصلاة على اكتشاف رغبته في الحياة النسكية، فوجد السعادة والراحة الحقيقيتين في أحضان الكنيسة.

التعليم والرهبنة والكهنوت:
ذهب إلى جزيرة خيوس وقضى فيها عشر سنوات يعلّم فيليتي. وفي عام 1876م أصبح راهباً، فقد تعلم من تعليم الكنيسة التقليدي أن الراهب الأرثوذكسي ما هو إلا منارة ونور مضيء في الظلمات، ودعي بالأخ لعازر. أمضى ثلاث سنوات في الدير عاشها في النسك والتقشف فاستنارت روحه من نور المسيح وأصبح ينهل منه التواضع والمحبة والعطاء.
ثم رُسم شماساً وأعطي أسم “نكتاريوس”، وبمساعدة أحد النبلاء الأثرياء سافر إلى أثينا لمتابعة دراسته الثانوية. واُرسل أيضاً إلى الإسكندرية إلى البطريرك صفرونيوس، فأحبه وأرسله مرة أخرى إلى أثينا ليكمل تعليمه الجامعي. وإذ كانت الحياة صعبة في تلك الحقبة من الزمن، كان يتخلى عن طعامه لإنقاذ أحد أولئك الذين مات المسيح لاجلهم. وبعد حصوله على الشهادة الجامعية عاد إلى الإسكندرية، حيث سامه البطريرك بنفسه كاهناً عام 1886م. وتلقى بعد خمسة اشهر رتبة الارشمندريت في القاهرة. عين في عدة مناصب، حيث عمل بجهد في حقل الرب ليزرع الكلمة الإلهية. كما جمّل كنيسة القديس نيقولاوس بالأيقونات الشريفة، وكانت معظم مساعيه لجمع التبرعات للفقراء الذين كان يعطيهم كل ماله. وفي عام 1886م، انتخب أسقفا للمدن الخمس (منطقة ليبيا). إذ حيكت ضده وشايات من الأوساط الاكليريكية، صدّقها البطريرك صفرونيوس، دون أن يسمح له الدفاع عن نفسه تم تنحيته وطرده من الإسكندرية. لاحقه الاضطهاد من جميع الجهات، وحده الشعب بقي إلى جانبه، جمهوراً عاجزاً لا اسم له ولا سلطة. ومع ذلك بقي القديس يصلي من اجل البطريرك حتى أخر عمره.

العودة إلى بلاده:
بداية قضى وقته في أثينا بالقراءة اللاهوتية. عاش مضطهداً بفقر مدقع، صوّاماً، صبوراً. عُيّن واعظاً في مدينة شالكيس في جزيرة أيبوس بعد أن طرق جميع الأبواب مستجدياً العمل في الكنيسة بإلحاح وصبر. وعندما أُوكلت إليه عدة مدن اختار مدينة كيمي لإقامته، وعمل في الوعظ والخدم الليتورجية. وكان يقوم بزيارة تفقدية للمعوزين والمرضى المنعزلين.
وفي عام 1893م. نُقل إلى مدينة لميا، ثم عيّن مديراً للمدرسة اللاهوتية في أثينا المعروفة ب”ريزاريو”. وبالرغم من معاناته الكثيرة مع أعضاء المكتب التنفيذي للمدرسة، إلا انه كان يحتمل كل الانتقادات بصمت وبفضله تأسست أعداد كافية من الاكليريكيين المؤهلين ليس عملياً فقط بل وروحياً أيضاً لخدمة الكنيسة الأرثوذكسية.
كان متواضعاً لدرجة انه كان يقوم بتنظيف مراحيض المدرسة يومياً وقبل شروق الشمس لمدة شهرين عن العامل المريض خوفاً عليه من أن يفقد وظيفته. كان يهتم بالدروس وبمشكلات المدرسة إلى جانب الأشخاص الذين يأتونه للاعتراف، مع تأليف الكتب اللاهوتية، وإقامة الخدم الليتورجية غير المتوقعة التي تُطلب منه، ومساعدة كل من يطرق بابه. وكان شديد الدفاع عن الأرثوذكسية ضد التيارات المعارضة والمنتقدة لها. كان يهتم شخصياً بزراعة حديقة المدرسة بالنباتات والأزهار، لانه كان يحب التأمل بفن الخالق وحكمته ويقول: “تفتح يدك فيمتلئ الكل خيراً”. قام خلال عمله في المدرسة بزيارة الجبل المقدس(آثوس) وهناك وصفه أحد النساك متنبأ بأنه: “أسقف المدن الخمس الذي صنّف منذ زمن طويل من بين الأساقفة القديسين”.
كان يرى السيد دائماً أمامه أثناء الصلاة. وكثيراً ما كان يقص على والدة الإله جميع مشاكله بالتفصيل، ويصلي من اجل العالم أجمع ومن اجل طلابه ويتوسل إلى أم الإله من اجل الرهبنة الأرثوذكسية لتنمو وتزدهر. كما كانت الجموع في أثينا والبيرية تتزاحم للمشاركة في القداس والاستماع إلى مواعظه أينما ذهب. وتوالت عليه الأحداث…كانت معظمها حوادث مؤلمة جعلته يشعر بالتعب.

تأسيس الدير:
التفت حوله مجموعة من الفتيات يرغبن باعتناق الحياة الرهبانية، فاخترن ديراً قديماً في زانطا في جزيرة آيينا ا لتي حالما وصل إليها شفى شاباً مصاباً بروح شريرة وقال له بعدها: “لن تزعجك هذه الاغماءات بعد اليوم يا ولدي، ثابر على الدرس لان هذا سيعود عليك بالفائدة في المستقبل”. وشفى امرأة مصابة بنزف الدم. وبعد القداس الإلهي الذي أقيم في كاتدرائية الجزيرة تلى طلبات من اجل المطر-بعد انقطاع دام ثلاث سنوات- هطلت بعدها الأمطار بغزارة، فكان يردد: “المجد للرب…المجد للرب”.
بقي يراسل فتياته ويهتم بهن روحياً ومادياً. ولم يكن يشغل عقله بتدبير الأمور المالية لانه كان يقول: “أن الأعمال الروحية المرتكزة على الوسائل المادية أو القدرات الإنسانية لا تحقق”. وكان يتصدق بكل ما يحصل عليه من مال: من عمله والتبرعات ونشر كتبه ومؤلفاته التي كثيراً ما كان يوزعها مجاناً. فقد كان على ثقة تامة بان الله سيرسل عوضها. وقد كتب في إحدى رسائله للراهبات: “أن كل ألم نحتمله بالصبر هو درجة ترفعنا نحو الكمال”.
وبعد أن استقال من وظيفتة في المدرسة الاكليريكية عام 1908م. شيد له مسكناً خارج الدير. وقام بتخصيص غرفة لتعليم الفتيات الأميات، وحوّل غرفة إلى مشغل إسكافي-تلك المهنة التي تعلمها عندما كان راهباً في خيوس- ليصلح الخفاف الممزقة التي كانت تنتعلها الراهبات ويعلمهن المهنة.
وكان بنيّته إنشاء مدرسة تحضيرية للشابات لتلقي التعليم الأخلاقي والديني وبعض الأعمال اليدوية والمنزلية لانه كان يرى بأن سر تقدم الشعوب كامن بين يدي الشابات أمهات المستقبل.غالباً ما كان يمضي الليل ساهراً رغم تعبه للدراسة والكتابة، وقد كان شديد الدفاع عن الكنيسة الأرثوذكسية الكثيرة الوداعة باعتبارها الفلك الوحيد الذي يضم القدرة الإلهية والحقيقة، وتملك قوة كبيرة للخلاص، ويحارب ضد هجمات العدو الكثيرة منهم الماسونيين والماديين المعاصرين والسياسات والهراطقة واصحاب البدع.
بعد عشر سنوات من تأسيس الدير غضب ثوكليطس متروبوليت أثينا بسبب الحسد، فتراجع عن موافقته الشفهية عن بناء الدير واصبح يهدد بهدمه. فكان على قديسنا أن يشرب كأس الصبر حتى المنتهى، إذ لم يحظ عمله بالاعتراف الرسمي إلا بعد وفاته.

رقاده:
عانى من مرض خطير في البروستات زماناً طويلاً، وكان عرضة لآلام فظيعة تخترق قلبه، تشتد حدة مع مرور الوقت، وادخل إلى المستشفى وبقي شهرين لم يتسنى للأطباء خلال هذه الفترة إجراء عملية جراحية له. وبتاريخ 9/11/1920م (شرقي) الموافق 22/11(غربي) سمعته الراهبة المرافقة له يقول: هل توجه الكلام إلى يا رب. واسلم روحه القديسة والصبورة إلى معلمه الحبيب.
حصلت عجاب كثيرة بعد رقاده منها شفاء أمراض مستعصية وطرد الشياطين. وبقي جسده سليماً لمدة عشرين عاماً يفوح منه عطر لا يوصف. بعد هذه المدة استحال جسده إلى تراب فاستطاع الناس أن يأخذوا منه الذخائر، ولا زال العطر يفوح من عظامه إلى ألان، بل إن كل غرض يلامس عظامه يصبح مصدراً للعطر.
هذا القديس الذي لم يحظ بالمجد في حياته، بل كما قال مرة لتلميذه كوستي(الذي رافقه وخدمه طوال حياته): “المجد ليس للذين في وسط الجهاد بانتظار الدينونة. أن المجد هو في مكانا ما في الأعالي، في الكنيسة الظافرة”. لقد مُجّد القديس العظيم في الكنيسة الظافرة. وهو ألان ماثل أمام العرش الإلهي عرش الثالوث الأقدس الذي لم يكن يلفظه طوال حياته دون تأثر أو رهبة، يشفع في كل من يطلبه، حيث انه شفيع مرضى السرطان، لانه شفى بعض الحالات في حياته ولا يزال بعد رقاده يشفي الكثيرين إلى ألان.
مختارات من أقواله
قال في الأرثوذكسية:
أيتها الأرثوذكسية، تعصف بكِ آلاف الأرياح، وتحاربك آلاف القوات المظلمة وتثور، تريد اقتلاعك من العالم وتكافح لانتزاعك من قلوب الناس. أرادوا أن يجعلوا منك أملاً مفقوداً، متحفاً وماضياً مأساوياً وتاريخاً مرّ عليه الزمن وانتهى. إلا أن الله القدير، الثالوث القدوس المحسن الكليّ الوداعة والحكمة، هو الذي يسيطر على هذه الفوضى، ويرميك في زاوية أبعد ما يمكن عن التوقع ويغطّيك كوردة تحت صخرة. إنه يحافظ عليك في نفوس أبسط الناس، الذين ليس لهم أية سلطة أو معرفة دنيوية. وها أنتِ باقية حتى اليوم. ها أنت لا تزالين حيّة موجودة تغذّين الأجيال الناشئة، وتفلحين كل بقعة جيدة من الأرض، وتوزعين قوة وحياة وسماءً ونوراً وتفتحين للناس أبواب الأبدية.

المسيحية:
ليس الدين المسيحي نظاماً فلسفياً يتجادل حوله الناس المتعلّمون والمتدربون في العلوم الماورائية، فيعتنقونه أو يرفضونه بحسب الرأي الذي شكّله كل منهم. إنه الإيمان المؤسّس في نفوس الناس والذي ينبغي أن ينتشر للكل ويُحفَظ في ضمائرهم…
في المسيحية حقائق فوق فهمنا العقلي، ولا يستطيع عقل الإنسان المحدود أن يستوعبها. إن ذهننا يدركها، ويقتنع بها، ويشهد لوجودها الفائق الطبيعة…
إن المسيحية هي دين الإعلان. يعلِن الإله مجدَه فقط للذين تكمّلوا بالفضيلة. تعلِّم المسيحية الكمالَ من خلال الفضيلة وتطلب من أتباعها أن يكونوا قديسين وكاملين. تستهجن المسيحية مَن هم تحت تأثير الخيال وتقاومهم. إن مَن هو كامل فعلاً يصير بالمعونة الإلهية خارج الجسد والعالم، ويدخل عالماً روحياً آخراً؛ وبالطبع، ليس بالخيال بل بتألق النعمة. بدون النعمة وبدون الإعلان لا يستطيع الإنسان، حتى الأكثر فضيلة بين البشر، أن يتعالى عن الجسد والعالم.
يعلن الله نفسه للمتواضع الذي يحيا بحسب الفضيلة. إن الذين يركبون جناح الخيال يحاولون الطيران مثل أكيروس ويصلون إلى النهاية نفسها. إن الذين يؤوون الأوهام لا يصلّون؛ لأن الذي يصلّي يرفع عقله وقلبه إلى الله، بينما الذي يتحوّل إلى الخيالات يقود نفسه إلى الانحراف. إن الذين يدمنون الخيال ينسحبون من نعمة الله ومن عالم الوحي الإلهي. فهم قد تركوا القلب الذي تستعلَن فيه النعمة وأخضعوا أنفسهم للوهم المجرّد من كل نعمة. إن القلب هو الوحيد الذي يتسلّم معرفة الأمور التي لا تُفهَم بالحواس، لأن الله، الذي يسكن في القلب ويتحرّك فيه، يتكلّم إليه ويكشف له جوهر الأمور المرجوة.
أطلبْ الرب كل يوم. ولكن اطلبه في قلبك وليس خارجه. وعندما تجده قف برعدة وخوف كما الشاروبيم والسارافيم لأن قلبك قد أضحى عرشاً لله. ولكن لكي تجد الله، كُنْ متواضعاً كالغبار أمام الرب، لأن الرب يمقت المتكبر، بينما يزور متواضعي القلب، ولهذا هو يقول: “إلى مَن سوف أنظر، إلاّ لمَن هو عادل ومتواضع القلب؟”
ينير النور الإلهي القلبَ النقي والذهن النقي، لأنهما قابلان لتلقي النور؛ بينما القلوب والأذهان الدنِسة، فيما هي غير قابلة لتلقي الاستنارة، فهي تمقت كثيراً نور المعرفة، نور الحقيقة. إنها تحب الظلام… الرب يحب أصحاب القلب النقي ويستمع إلى صلواتهم ويمنحهم طلباته التي تؤدي إلى الخلاص، ويكشف نفسه لهم ويعلمهم أسرار الطبيعة الإلهية.

الكنيسة:
إن كلمة “كنيسة”، بحسب النظرة الأرثوذكسية الدقيقة، لها معنيان. أحدهما يعبّر عن شخصيتها العقائدية والدينية، أي، عن جوهرها الداخلي، الجوهر الروحي بشكل خاص، فيما الثاني يعبّر عن شخصيتها الخارجية. وهكذا، بحسب الإيمان الأرثوذكسي، تُعرَّف الكنيسة بطريقة مزدوجة: كمؤسسة دِينية وكجماعة دينية.
إذاً، يمكن تحديد الكنيسة كمؤسسة دينية على هذا الشكل: الكنيسة هي مؤسسة إلهية دينية من العهد الجديد، بناها مخلصنا يسوع المسيح من خلال تدبير التجسد، مؤسَّسَةً على إيمان يوم العنصرة بنزول الروح الكلي قدسه على تلاميذ المسيح المخلّص ورسله القديسين، الذين جعلهم أدوات للنعمة الإلهية لتخليد عمله الخلاصي. لقد أوكِل لهذه المؤسسة ملء الحقائق المعلَنة. فيها يعمل الروح القدس من خلال الأسرار، وفيها يتجدد الذي يقاربون المسيح بإيمان، وفيها حُفظَ كلا التعليم والتقليد الرسوليين، المكتوبين وغير المكتوبين.
كما يمكن تحديد الكنيسة كجماعة دينية على هذا الشكل: الكنيسة هي مجتمع من البشر المتّحِدين بوحدة الروح في رباط السلام.
إن النظرة الصحيحة للكنيسة تُصنّفها إلى مجاهدة ومنتصرة. فالكنيسة مجاهدة طالما أنها تكافح ضد الشر لكي يسود الخير، وهي منتصرة في السماوات حيث يسكن جوق الأبرار الذين جاهدوا وتكمّلوا في الإيمان بالله وبالبِر.

الطروبارية
+ هلموا أيها المؤمنونَ نُكرِّمُ نكتاريوس، المولودَ في سلفْرِيا ورايةَ إيينا، من ظَهَرَ في الأزمنةِ الاخيرةِ ومحبَّ الفضيلةِ الأصيل بما أنَّه خادمُ المسيحِ الالهي. إذ يُنبِعُ الأشفيةَ في كلِّ الأحوالِ، للصارخين إليه بإيمانٍ: المجدُ للمسيحِ من مجَّدَكَ، المجدُ لمن جَعَلَكَ عجائبيًّا، المجدُ للصانعِ بكَ الأشفيةَ للجميع.

GoCarch