إقرار قانون الإنجاب بالمساعدة الطبّية من دون أب للجميع – فرنسا

October-9-2019

خصّ المجمع الأنطاكيّ المقدّس الذي انطلق في ٣ تشرين الأول ٢٠١٩ في دير سيّدة البلمند البطريركيّ برئاسة صاحب الغبطة يوحنا العاشر، العائلة والتحدّيات التي تواجهها في عالمنا اليوم.
ويتابع المركز الأنطاكي للإعلام التنبيه ممّا يجري من هذه التحدّيات التي هدفها ضرب صورة الإنسان وعلاقته بالله خالقه، حفاظًا على العائلة وقدسيّة رسالتها.

“الأسرة الناجحة هي الضمان الأساس لتربية أطفالنا وتهذيب أحداثنا، وتوعية شبابنا، وعيش خبرات الشركة المسيحيّة في ما بينها.” يوحنا العاشر

فكلّ مدّة يظهر في الغرب قانون جديد يُطيح بهويّة الإنسان وأسس العائلة تحت عنوان احترام الحرّيّات. والحقيقة أن ما يحدث هو منظومة متكاملة زاحفة وممنهجة لتدمير العائلة.
وهنا لا بد من التذكير أن الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة صوّتت يوم الثلاثاء ١٢ شباط ٢٠١٩على قانون يزيل عبارة “الأب والأم” من جميع النماذج الإداريّة للمدرسة ليحل محلها “الأهل 1 ” و”الأهل 2”، وهذا يكرّس التربية الأبويّة المثليّة في نماذج مدرسيّة لم تعد تذكر جنس الوالدين.

آخر مستجدّات هذه المنظومة إقرار قانون الإنجاب بالمساعدة الطبّيّة PMA أي الولادة من دون أب، وذلك في فرنسا بتاريخ ٢٧ أيلول ٢٠١٩.
هذه الوسيلة التي كانت مخصّصة للأزواج من رجل وإمرأة لأهداف طبيّة عند تعذّر الولادة، أمست متاحة خارج الزواج لأي امرأة تودّ الإنجاب من دون أب، عزباء أو مطلّقة أو أرملة وحتى مثليّة الجنس.

المؤسف أنّ 68% من الفرنسيّين يؤيّدون هذا القانون، وأنّ المظاهرة ضدّ هذا القانون التي جمعت أشخاصًا من سائر أنحاء فرنسا، يوم ٦ تشرين الأوّل لم تلقَ أيّ صدىً.

في 25 أيلول 2019، وجّهت النائب أغنيس تيل من مقاطعة الواز كلامها إلى “صاحبات المعالي” في البرلمان الفرنسي ” سوف تقرّ فرنسا قانون الأب الاختياري ، وتسمح بولادة طفل بلا أب.
ولكن، من أنتم، للسماح بمثل هذا التشويه؟

هل هذا يعني أن الأب عديم الفائدة؟ لعلّكم تريدون القول إنّ الأب ليس ضروريًا، وأنّكم لا تدينون للآباء بأي شيء؟! هذا هو المجتمع الذي لا أريده ، المجتمع الذي يقول إنه يتكوّن لوحده ، وإنّ الآخر ليس ضروريًا.

بالنسبة إليّ، ليس أعظم من الإنسان (الرجل)، وأنتم تدوسونه، وتقلصونه إلى مشيج (gamètes)، إلى عدم، إلى 1/60000 مم. وتسمّونه المانح. هذا رجل يا صاحبة المعالي! هو الذي يرفع الجبال من أجل ابنه الصغير، هو الشخص الذي يحميه ويرفعه إليه وأعلى منه، هو الشخص الذي يعتني بطفله ويشجعه، ويطمئنه وينمّيه، ويستمع إليه ويرافقه. أولم يكن لديكِ أب حتى أنّك لا تعرفين أنّ الأب لايُعوَّض؟ إنها معاناة فوق المعاناة، ولن يكون من الضروري أن نقول ” هذه فرنسا المُهانة” . لقد فضلتِ معاناةً على أخرى، واخترتِ تسكين جرحٍ بفركِ جرحٍ آخر بالملح.

طبعًا، يمكن للأمّ أن تقوم بهذه الأمور المذكورة كلّها، ولكن هل نُلغي الأب؟ هذا ما تفعلونه، يا معالي الوزيرة، والنوّاب أصحاب السعادة. هل تدركون مجتمع الإلغاء الذي تخلقونه؟ وإن كنت أعطي عن الآباء صورة مثاليّة، ألا تعطون أنتم هذه الصورة عن الأمّهات؟

لا بدّ من التشريع لبلوغ هيئة اجتماعية. ولكن من فرط التشريع للمجموعات والفئات، كلٌّ يشدّ على مشدِّه، وصار الكلمة للأقوى: أنتم تنشؤن المجتمعات الفئويّة التي تدّعون محاربتها!
الطفل هو الشاهد المميز لقوة الرجل، وعندما يصبح الرجل أبًا، تتحوّل هذه القوة إلى خدمة للصغير. وحده الأب يعلّم هذا للطفل ويُحبِط قانون الأقوى. ولكنّكم اخترتم إلغاء الآباء! اخترتُم ألاّ تأخذوا منهم إلاّ ما يهمّكم، أي مَشيجهم، وترمون الباقي. ولكنّ الإنسان هو كيان كلّيّ، يا صاحبة المعالي! ولا يمكن أن نأخذ منه جزء من ستين ألف ملم ونرمي ما تبقّى. الآباء هم الذين يُظهِرون أنّ الخدمة هي العمل الأسمى الذي يمكن أن يقوم به الإنسان. الآباء هم الذين يقرّرون ضرورة وجودنا. إنّ قانونكم ضربٌ من الإجرم، يا صاحبة المعالي. هي ألم فوق ألم. ولا ينبغي القول إنّ هذه فرنسا المذلولة.
إنّ قانونكم يُتيح أن يُهدي الإنسان نفسه إنسانًا آخر. ولكن لا يجوز أن يقدَّم الإنسان هديّة. فالإنسان ليس شيئًا ولا مشروعًا، ولا وعدًا من وعود حملات الانتخاب. إنّ قانونكم لا يُبطِلُ عدم المساواة، بل يزيد عليه.

قانونكم يطرح التساؤلات حول تحويل الكائن الحيّ إلى سلعة، هو نوع من العرقيّة الأوجينيّة، والانتقائيّة، والانحراف عن معنى الطبّ. أنتم تفتحون الطريق إلى “هندسة” الطفل كما نريد. لقد انتفت الحدود.

ليس القانون هو من يحرم الأمّهات من أولادهنّ، بل علم الأحياء، حيث لا تمييز ولا عدم مساواة، وأنتم تعلمون هذا جيّدًا! أمّا أن تقرّوا العكس في وسائل الإعلام، فهذا كذب وافتراء، وتلاعب بالآراء.
إنّ الحرّيّة التي تنادون بها باعتزاز ليست إلاّ حرّيّة مستهلكين! إنّه عرض خاصّ تناسليّ يجب إقراره في فرنسا!

إنّ وجود قانون الإنجاب بالمساعدة الطبّيّة، وتجميد البويضات، وتشخيص ما قبل الزرع، والبحث على الجنين، غايته إثراء الأطباء، وعلماء الوراثة، وعلماء الأحياء، ورؤساء الشركات الناشئة، والمحامين ، وبائعي الحيوانات المنوية والبويضات. وأنت تغضّون الطرفّ!

إن مساعدة الآخر هي مساعدته على قبول حدوده والتعايش معها، وليس على تجاوز الإمكانات البشريّة. لا يمكن للمرء أن يرفض بشكل حاسم شخصية الأب لكي تظهر أُسرة جديدة. فالإنجاب من دون أب هو انتهاك لحقوق الطفل.

ليس تقدمًا اجتماعيًا أن نؤمّن للأطفال أبوين يزدادان تقدّمًا في السنّ ولا أن نعطي عائلة لأم وحيدة، بل هذا أمر يتعارض مع خطتكم ضدّ الفقر، ومع سياسات دعم الأسرة، وأنتم تعرفون ذلك جيدًا. كما تعلمون، ما هو صحيح اليوم لا يصحّ غداً، وأذكر مثلاً الحُب أو النيّة. أنتم تعرفون هذا كلّه، ولكنّكم تستسلمون للمجتمع الذي تحكمه رغباته وحدها، أنت تستسلمون لمجتمع يريد إلغاء كلّ إحباط، تستسلمون لغزوٍ لامتناهٍ من الحقوق، كما لو كانت الحرية موجودة فيها. فيا له من ضلال!

إنّ حجَجَكم منافية للمنطق، وهاجسكم لإحقاق المساواة يعمي رؤيتكم لحالة الإنسان. لا يمكنكم أن تروا الاختلاف إلاّ من خلال عدم المساواة.

وبدعوتكم إلى مرجع ذَكَر تعترفون بضرورة وجود الآخر.
باسم جميع الأطفال الذين حُرِموا أبًا،
باسم جميع الأطفال المولودين من نظرة رجل، وأُنقِذوا أحياء من غياب والدتهم أو سوء معاملتها،
باسم جميع الأطفال الذين يَحبُّهم أبوهم بكلّ بساطة،
لن أصمت عن إقصاء هذه الغالبيّة للآباء وتشويهها للأطفال.

لمشاهدة الفيديو اضغط هنا

(نقلاً عن صفحة البطريركية على الفيس بوك Antioch Patriarchate)

GoCarch