البلمند: بيان المجمع المقدس

October-25-2023

بيان صادر عن المجمع الأنطاكي المقدس

البلمند، 21 تشرين الأول 2023

انعقد المجمع الأنطاكي المقدس برئاسة غبطة البطريرك يوحنا العاشر (يازجي) في دورته العادية الرابعة عشرة ودورته الاستثنائية السابعة عشرة في البلمند ما بين 16 و21 تشرين الأول 2023 وذلك بحضور كل من أصحاب السيادة:

الياس (أبرشيّة بيروت وتوابعها)، الياس (أبرشيّة صور وصيدا وتوابعهما)، دمسكينوس (أبرشية ساو باولو وسائر البرازيل)، سابا (أبرشية نيويورك وسائر أمريكا الشمالية)، سلوان (أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما)، باسيليوس (أبرشية عكّار وتوابعها)، أفرام (أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما)، إغناطيوس (أبرشية فرنسا وأوروبا الغربية والجنوبية)، غطاس (أبرشية بغداد والكويت وتوابعهما)، سلوان (أبرشية الجزر البريطانية وإيرلندا)، أنطونيوس (أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما)، نقولا (أبرشية حماه وتوابعها)، باسيليوس (أبرشية أستراليا ونيوزيلاندا والفيلبين)، إغناطيوس (أبرشية المكسيك وفنزويلا وأمريكا الوسطى وجزر الكاريبي)، أثناسيوس (أبرشية اللاذقية وتوابعها)، يعقوب (أبرشية بوينس آيرس وسائر الأرجنتين)، أفرام (أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما) ونيفن صيقلي متروبوليت شهبا وممثل بطريرك أنطاكية لدى بطريرك موسكو. وحضر الأسقف غريغوريوس خوري أمين سر المجمع المقدس والأسقف رومانوس الحناة الوكيل البطريركي.

واعتذر عن الحضور المطران سرجيوس (أبرشية سانتياغو وتشيلي) والمطران إسحق (أبرشية ألمانيا وأوروبا الوسطى). وقد حضر المطران بولس يازجي المغيّب بفعل الأسر في صلوات آباء المجمع وأدعيتهم.

استُهِل المجمع بمشاركة الآباء في المؤتمر الدولي الذي نظمته البطريركية في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي والذي ابتدأ نهار الاثنين 16 تشرين الأول واختتم نهار الأربعاء 18 منه تحت عنوان “الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر: نحو فهمٍ دقيق للتاريخ”. ثمّن الآباء الجهد العلمي المبذول في المؤتمر وأكّدوا أن ما جرى سنة 1724 من جرحٍ يستدعي من الجميع استخلاص العبر، ويستدعي أيضاً الترفع عن إلقاء التهم الباطلة، ويستدعي قراءةً موضوعيةً للتاريخ ومراجعةً متأنية وعميقة ومقبولة للسير نحو الوحدة المسيحية المرجوة في ضوء وثيقة البلمند للحوار الكاثوليكي الأرثوذكسي للعام 1993.

وبعد الصلاة واستدعاء الروح القدس واستمطار الرحمة الإلهية استُؤنفت أعمال المجمع في 19 تشرين الأول 2023 فتناول الآباء أولاً قضية مطراني حلب بولس يازجي ويوحنا إبراهيم المختَطفَين منذ نيسان 2013 وتوجهوا إلى أبنائهم وبناتهم الأنطاكيين، لكي يحملوا المطرانين المخطوفين في صلواتهم، ويستمروا برفع الصوت من أجل قضيتهما. كما واستنكروا الصمت الدولي المطبق الذي يغلف تلك القضية التي أكملت عقداً من الزمان. ودعوا إلى فكِّ لغز هذا الملف الذي يختصر شيئاً مما يعانيه إنسان هذا الشرق من ويلات.

وبعد تقديم تقارير الأبرشيات، وقف آباء المجمع المقدّس على المشهد الدامي في شرقنا الحبيب، وما يسوده من جو الحقد القاتل، متوجهين إلى قلب كل إنسان في العالم، ليذكروهم بما يدعو إليه سفر الأمثال: “يا ابني أعطني قلبك” (أمثال 23: 26). بهذا ناشدوا المسؤولين وكل من هم في موقع القرار.

في غمرة المآسي التي تحيط بنا من كل جانب، ورغم كل الإحباط واليأس، لا بد من التذكير أن الإنسان مكلف من الله أن يصيّر الأرض واحة سلام، لا أن يحوّلها جحيماً.

من هنا، وفي وقفةٍ ملؤها الإيمان والاعتزاز والرجاء، أعلن آباء المجمع المقدّس قداسة كاهنين شهيدين أنطاكيين من عائلة واحدة، هما الأب نقولا خشّة، الذي استشهد في مرسين سنة 1917 وابنه بالجسد الأب حبيب خشة الذي استشهد في جبل الشيخ سنة 1948، العطِرَيِّ السيرة والحاضرين في ضمير مؤمني الكنيسة الأنطاكية. لقد عرف كلّ منهما كيف يحفظ قلبه من الحقد والكراهية، فآثر الاستشهاد حباً بالله وتضحية من أجل الآخر مكملاً الجهاد الحسن وحافظاً الإيمان القويم. وثبت آباء المجمع تذكارهما السنوي الجامع في 16 تموز تاريخ استشهاد الأب حبيب، داعين أبناءهم مؤمني كنيسة أنطاكية إلى تلمّس نفحات القداسة في هذه الكنيسة الرسولية التي شهدت وتشهد لربها منذ ألفي عام، وإلى طلب شفاعة القديسين الشهيدين، وإلى تمثّل الغيرة الرسولية التي تأقنمت فيهما بحقٍّ وبأبهى صورها.

كما قرّر آباء المجمع المقدس إدراج القديس روفائيل (هواويني) أسقف بروكلين في الروزنامة الأنطاكية بناءً على الطلب المقدم من أبرشية أميركا الشمالية الأنطاكية إلى المجمع المقدس.

وفي السياق نفسه، عيَّن آباء المجمع المقدس الأحدَ الذي يلي أحد جميع القديسين (أي الأحد الثاني بعد العنصرة) تذكاراً عاماً لجميع القديسين الأنطاكيين.

كذلك تدارس الآباء مسألة شغور أبرشية بصرى حوران وجبل العرب وأبرشية حمص وتوابعها. وبعد الاستماع إلى تقريري المعتمدين البطريركيين على الأبرشيتين المذكورتين، الأسقف يوحنا بطش والمطران نقولا بعلبكي متروبوليت حماه وتوابعها، انتخب الآباء الأرشمندريت أنطونيوس سعد متروبوليتاً على أبرشية بصرى حوران وجبل العرب والأسقف غريغوريوس خوري متروبوليتاً على أبرشية حمص وتوابعها. كما انتخب الآباء الأرشمندريت ديمتري منصور أسقفاً مساعداً للبطريرك بلقب أسقف قاره والأسقف رومانوس الحناة الوكيلَ البطريركيَّ أمينَ سرٍّ للمجمع الأنطاكي المقدس.

وفي دراستهم لموضوع العائلة، الذي كان المجمع المقدّس قد تدارسه في أكثر من دورة مُصدراً في دورة العام 2019 الرسالة الرعائية تحت عنوان “العائلة فرح الحياة”، توقّف الآباء بإجلالٍ عند عطر القداسة الذي فاح من عائلة الأبوين القديسين نقولا وحبيب خشّة، تلك العائلة التي أقامت المسيح في وسطها مرجعاً وخدمت كنيسته حتّى الدم. فكرروا التشديد على السهر لحماية العائلة داعين جميع المؤمنين إلى التمسّك بالأسس الإيمانية والاجتماعية والأخلاقية التي تحفظ العائلة من كل مكائد هذا الدهر وانحرافاته وكل ما يُبث في المناهج أو ما يتم العمل على إدراجه فيها وفي سواها باسم الحرية وقبول الآخر.

ولم تغب عن آباء المجمع تلك التحديات التي تواجه عائلاتنا في كامل المدى الأنطاكي، وتمس خاصةً أطفالها وشبابها، فأثنوا على كل ما تقوم به البطريركية والأبرشيات الأنطاكية ومؤسساتها التربوية – المدرسية منها والجامعية – من سعيٍ لكي تمدّ الطلاب بالدعم المادي والعلم اللائق لأنّه الرصيد الأبقى في مجتمعاتنا؛ غير غافلين عن الدعم المادي الذي يُقدَّم في المجال الاجتماعي كمساعدة للمؤمنين من أجل الصمود في أرضهم، خاصةً في المناطق التي تعرّضت للزلزال في العمق الأنطاكي. وبهذه المناسبة لا بد من كلمة شكر وتقدير لكل الجهات المانحة – أفراداً ومؤسسات- على ما تقدّمه للشعب الأنطاكي في المحن التي تصيبه، مع التنويه إلى التعاضد الذي لم يتوقف يوماً بين الأبرشيات الأنطاكية وخاصة بعد الزلزال الأخير.

استعرض الآباء أيضاً الواقع العام في ظل ما تعيشه الكنيسة الأنطاكية في الوطن وفي بلاد الانتشار، وتدارسوا جملةً من المواضيع الأخرى منها: معيشة الكهنة وتوحيد الخدم الليتورجية والمساعدات الإنسانية. كما تناولوا أيضاً موضوع اللياقة والانضباط الإكليريكيين وكيف يجب على الإكليروس أن يظهروا وجه المسيح عبر أداء خدمتهم بكل اتضاع وأمانة، وأن يحرصوا على ألا ينال خدمتهم أي عيب مؤدين شهادة الراعي الصالح في رعاياهم. استمع الآباء إلى دراسات وتقارير بشأن التطورات العالمية وانعكاساتها على الشأن الكنسي. كما استعرض الآباء واقع عمل المحاكم الروحية وتدارسوا التعديلات الأخيرة لقانون الأحوال الشخصية التي قدمتها بشأنه اللجنة المجمعية المعنية والتي أخذت بعين الاعتبار التحديات والقضايا التي طرأت وتطرأ على واقع عمل المحاكم مع التشديد على ضرورة الحفاظ على العائلة. وتناول الآباء الوضع الأنطاكي في بلاد الانتشار مشددين على أهمية الرسالة التي يؤديها أبناء كنيسة أنطاكية في الشهادة للمسيح في البلدان التي يعيشون فيها.

وفي الشأن العام، توقف الآباء عند ما جرى ويجري في فلسطين المحتلة وما أصاب ويصيب الشعب الفلسطيني الأبي. إن موقف كنيسة أنطاكية، الذي عبرت عنه بلسان بطاركتها ومجمعها منذ أمدٍ طويلٍ وحتى اليوم، جليٌّ وساطعٌ ومعروفٌ، ويؤكد على أهمية القدس في ضمير كل مسيحي ومسلمٍ، وعلى حق العودة للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة.

تدين الكنيسة الأنطاكية الحصار المفروض اليوم على الشعب الفلسطيني وعلى قطاع غزة تحديداً وتستنكر وتشجب الإبادة الجماعية المرتكبة فيه تحت أنظار العالم. إن ما يجري من عنفٍ هو نتيجة عدم احترام القوانين والقرارات الدولية في تطبيق العدالة. وهو استمرارٌ لتزييف هوية الأرض والتاريخ ومحاولةٌ لطمس القضية الفلسطينية العالقة.

انطلاقاً من هنا، يرفع آباء المجمع المقدس الصلاة الحارة إلى ملك السلام وسيد المراحم، أن يمسح عن عيون هذا الشعب كل دمعة، وأن يرفع عنه كل ظلم وقهر وتشريد وتهجير، ويدعون جميع أبنائهم إلى تخصيص يوم الأحد القادم في جميع رعايا الكرسي الأنطاكي لرفع الصلاة من أجل العدالة والسلام قي بلد السلام، ولجمع مساعدات من أجل إغاثة هذا الشعب المنكوب. وبما أن الظروف الحالية تتطلب تكثيف الصلاة والتعاون، قرر المجمع المقدس إعادة الشركة الكنسية المقطوعة مع بطريركية القدس، وتكليف اللجنة المختصة في البطريركية التواصل مع الإخوة في بطريركية القدس من أجل إيجاد حل لمسألة الخلاف الكنسي على الولاية الكنسية على “قطر” بما يحفظ حق الولاية الكنسية للكرسي الأنطاكي عليها. كذلك قرر المجمع إرسال وفد كنسي لزيارة عمّان للتعبير عن محبة أبناء الكرسي الأنطاكي لأبناء بطريركية القدس والوقوف إلى جانبهم في هذه الظروف المصيرية الصعبة.

يصلي الآباء من أجل استقرار سوريا ومن أجل كف يد الإرهاب عنها داعين إلى رفع الحصار الاقتصادي الآثم الذي يدفع السوريين إلى الهجرة ويخلف موجةً من النزوح الذي تطال أمواجه بكل تداعياتها دول الجوار وأولها لبنان. من حق الإنسان السوري أن يحيا بالكرامة الإنسانية التي تجعله راسخاً في الأرض التي ولد فيها. يصلي الآباء من أجل وحدة التراب السوري ومن أجل سوريا بكل أطيافها التي تدفع فاتورة الإرهاب من حياةِ أبنائها دماً أريق في الكلية الحربية مؤخراً وحصاراً خانقاً وظروفاً اقتصادية غايةً في الصعوبة. إن من حق أهلنا في سوريا أن يعيشوا في سلام وألا تكون أرضهم مسرحاً لصراعات الآخرين ولتصفية الحسابات الدولية.

لبنانياً، في ظل هذه الظروف العصيبة والأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بالمنطقة، يدعو الآباء كل المسؤولين، لا سيما النواب، إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية يضمن ويكفل عمل سائر المؤسسات الدستورية. كما يدعو الآباء إلى تغليب روح الحوار والتوافق بديلاً عن التمترس خلف منطق المجابهة وفرض الإرادة على الآخر في كل الملفات. ويصلي الآباء من أجل استقرار لبنان الذي يدفع أيضاً فاتورة الاستهتار والتناحر السياسي من حياة اللبنانيين ومن جنى عمرهم أموالاً محجوزةً في المصارف. يصلي الآباء من أجل راحة نفوس من قضوا في انفجار مرفأ بيروت ويدعون أن تأخذ العدالة المصلوبة على قارعة المصالح والسياسة سبيلَها وطريقَها رأفةً بلبنان واللبنانيين.

يصلي الآباء من أجل العراق ومن أجل شعوب المنطقةِ كافةً. ويدعون إلى تغليب منطق الحوار في المنطقة بدلاً من المواجهة العسكرية التي يدفع فاتورتها إنسان هذه الديار الذي يستحق رحمة الله سلماً وسلاماً وحياةً هانئة يتلمّس من خلالها مرضاة ربه ويجسدها في حسن العلاقة مع الآخر كائناً من كان.

كرّر الآباء دعوتهم لوقف الحروب والنزاعات في كل العالم، لاسيما في أوكرانيا، مصلين من أجل المتروبوليت أونوفري، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المعترِفة التي يتعرض أبناؤها لاضطهاد من قبل السلطات المحلية بسبب إيمانهم.

ينظر الآباء إلى ما يجري في العالم الأرثوذكسي عموماً، ويدعون جميع الكنائس إلى التلاقي والتوافق، مؤكدين أن الأرثوذكسية تسمو على القوميات وتتجاوزها لإعلان مجد الله في خلقه.

وأخيرًا، يرفع آباء المجمع الشكر والحمد على تجليات أبنائهم في الوطن وفي بلاد الانتشار على الصعيد الروحي من خلال القداسة التي يخطونها كل يوم، وعلى إنجازاتهم على كل الصعد الأخرى من خلال ما يقدمونه للمجتمعات التي يعيشون فيها من قيمة مضافة تليق بالشهادة التي ائتمنوا عليها تمجيداً للرب على الدوام. يسأل الآباء المسيح يسوع ربّ السلام وإله كل تعزيةٍ أن يستأصل بمبضع مراحمه سطوة الحروب وجموح الشرور ويبلسم جراح المضنوكين والمحزونين في عالمٍ يتلوّى ويتوق إلى سلامه العذب، هو المبارك إلى الأبد آمين.

نقلاً عن موقع بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس

 

GoCarch